فرج فودة

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

فرج فوده (1945 - 1992) مفكر مصري تم اغتياله على يد الجماعة الإسلامية في القاهرة. كان مثل أبطال التراجيديا اليونانية مساقاً إلى قدره المحتوم الذى لا مفر منه، وكان أيضاً مثلهم فى درجة معرفته بهذا القدر ولكن الذى لم يكن يعرفه أو يتوقعه فرج فوده أن حيثيات حكم إعدامه ستصدر عن رجل دين يحمل شهادة الأزهر ، وأن مبررات اغتياله سيقدمها رجل يشغل منصب رئيس قسم الدعوة بالأزهر . فرج فوده راهن وخسر الرهان، راهن على إمكانية الحوار مع هؤلاء من أمثال الدكتور عبد الغفار عزيز وراهن على أنه يوجد فرق بين هؤلاء وبين من أسماهم المتطرفين مع أن مثل هؤلاء الأساتذة الأجلاء ما هم إلا وجه العملة الأخرى الذين يقدمون الدعم النظرى للقسم الثانى، والذى ما عليه إلا أن ينفذ ويضغط على الزناد، وهو فى منتهى راحة الضمير تسانده الفتوى المطبوخة بأيدى أمهر الفقهاء حاملى أختام باسبورتات الفردوس وموزعى صكوك الغفران وحماة حمى الكهنوت بإسم التخصص .

التهمة الأولى هى أخطر هذه التهم وأكثرها مداعبة لعواطف المسلمين وهى رفض فرج فودة لتطبيق الشريعة الإسلامية عموما والهجوم على التجارب الإسلامية المعاصرة وخاصة السودان . أن أعظم ما فعله فرج فوده هو أنه قد أعلن هذا الرفض بدون أن يعقبه بكلمة ولكن كما يقول أغلب المثقفين المنافقين لهذا التيار دون أن يذيله بعبارات مثل نحن نوافق على تطبيق الشريعة ولكن خطوة خطوه أو فلننتظر قليلا حتى ينصلح المجتمع إلى أخر، هذه العبارات التى تقال لكسب ود هذه التيارات الجاهلية ودرء خطرهم من باب أبعد عن الشر وغنى له . أى شريعة إسلامية تريد تطبيقها شيخنا العزيز ؟ .. هل هى شريعة محمد بن سلمان أم إيران أم تراها شريعة نميرى السودان والتى هاجمت فرج فودة حين أعلن رفضه لهذه التجربة فى حين أيدتموها جميعا، بداية من الشيخ الغزالى حتى الشيخ كشك مرورا بيوسف القرضاوي والتلمسانى .

لننظر بسرعة إلى هذه التجربة المضيئة والتى تحدث عنها كل هؤلاء بإعجاب وافتخار.طبعا فى البداية نصب النميرى نفسه إماماً وعدل مواد الدستور لكى تتسق مع تجربته العظيمة، وكانت أول مادة فيه مبايعة الامام مدى الحياة، واختياره لخليفته بكتاب مختوم ،ومن مواده أيضاً لا تجوز مساءلة أو نقض بيعة الإمام وإعتبارها خيانة عظمى والامام هو الذى يشكل المحاكم الاستثنائية، مع حرمان المتهم من الاستئناف إلى آخر هذه المضحكات المبكيات، وطبعا تم التهليل لقطع الأيدى والرجم، أما الجوع الذى عض بأنيابه شعب السودان فإنه كان فى رأى مؤيدى التجربة مجرد اختبار يبتلى به المؤمن لامتحان صدق عقيدته واقتناعه بتطبيق الشريعة .

كانت الإجابة التى قدمها فرج فوده هى بالنفى، وقد قدمها الفقيد بمنطق رائع وحجة دامغة وأمثلة واضحة، فالبرغم من وجود الحاكم المسلم الصالح (عثمان بن عفان الذى لا يشكك أحد فى تقواه وصلاحه) والرعية المؤمنة (صحابة الرسول وأهله وعشيرته قريبو العهد به وبرسالته) والشريعة (التى كانت بالتأكيد مطبقة) , بالرغم من وجود أضلاع المثلث التشريعى الثلاثة، فان العدل لم يتحقق ولم يسد الأمن والأمان . إذن فالعدل لا يتحقق بصلاح الحاكم، ولا يسود بتقوى الرعية، ولا يتأتى بتطبيق الشريعة، وإنما يتحقق بوجود ما يمكن أن نسميه نظام الحكم أو القواعد التى يقول عنها فرج فوده فى كتابه "الحقيقة الغائبة" "ص32، قواعد تنظم المجتمع على أسس لا تتناقض مع جوهر الدين فى شىء ولا تصطدم مع معطيات العصر فى إطارها العام" . يرى فرج فوده انه بوفاة الرسول استكمل عهد الإسلام وبدأ عهد المسلمين بماله وما عليه .

التهمة الثانية: فرج فوده يبيح الزنا وبيوت الدعارة ، يعنى انه يريد تنظيماً للعملية ولا يريدها سداح مداح ، وطبعا هذا الكلام يجد هوى فى نفوس من يعانون من كافة أنواع الكبت والقهر ، ويستنفر عزيمة من يقولون بأن المرأة لها ستران الزواج والقبر . فى كتاب فرج فوده "الحقيقة الغائبة" فى معرض رده على من يرفعون عقيرتهم بأن الإسلام هو الحدود, ناقش فيما إذا كان الماضى صورة بالكربون للحاضر، وهل ما كان يطبق على بشر كانوا يتسرون بالجوارى ويحلل لهم زواج المتعة، يطبق على شبابنا المعاصر الذى لا يستطيع ان يتزوج بواحدة لعجز ذات اليد، وألا تشفع ظروف الحياة المعاصرة لهم كما شفعت ظروف المجاعة للسارقين فى عهد عمر ويضيف فودة "نحن هنا لا ندعو للزنا، أو نبرر أباحته، كما يحلو للبعض ممن لا يرى الحياة إلا من خلال رجل وامرأة والشيطان ثالثهما، أن يتقول وان يغمز بجهل ، أو يلمز عن شبق، ولا نفعل ما يفعله البعض ممن يؤثرون السلامة فيطالبون بإقامة حد الزنا عن ثقة كاملة منهم انه حد مستحيل التطبيق"

ويمضى فرج فوده فى شرح كيف هو مستحيل التطبيق فوجود أربعة شهود عدول يرون الفعل رأى الرشاة فى البئر و الميل فى المكحلة هو حلم من الأحلام فى وقتنا الحاضر لا يتم إلا فى أفلام البورنو , ويتحدى فرج فودة هؤلاء المتشدقين بتطبيق الشريعة ان يبحثوا فى ملفات قضايا الزنا من نصف قرن حتى الآن وان يعطوه مثالا واحدا لقضية يطبق فيها الحد , والسؤال هنا من الذى يطالب بالعقوبة، طالب المستحيل، أم طالب تنفيذ القوانين الوضعية الحالية والتى تثبت الزنا حتى بالمكاتيب، والتى أعدمت ثلاثة من الشبان فى حادثة اغتصاب بالرغم من تقرير الطبيب الشرعى الذى أثبت بكارتها .

التهمة الثالثة إباحة الخمر وان فرج فوده يبيح صناعة وشرب الخمور ، وطبعا هذا ليتخيل القارئ مفكراً سكيراً لا يترك الزجاجة من يده والقنينة من جيبه ، وبالطبع لن يستطيع الشاب المسلم اخذ كلامه مأخذ الجد وسيأخذونه على انه مجرد هذيان سكارى، ورأى الدكتور فرج فوده فى ان عقوبة الخمر ليست أحد الحدود كما يقولون وهو يشارك الشيخ شلتوت فى قوله بأنه عقوبة تعزيزيه (ص111 الحقيقة الغائبة) .وبالطبع لو كان شيخ الأزهر يحيا فى عصر أبو حنيفة لأفتى بتكفيره ايضا كما فعل مع فرج فوده الذى لم يصل إلى نصف ما وصل إليه أبو حنيفة فى رأيه عن الخمر ، والتى حلل منها نبيذ التمر والزبيب ونبيذ العسل والتين مشاركاً فى ذلك الصحابى عبد الله بن مسعود ، وبالطبع كان عدم وجود ذلك الشيخ الأزهري فى ذلك الوقت من سوء حظنا ومن حسن حظ الإمام أبو حنيفة .

التهمة الرابعة : سب الصحابة ولذلك يجب ان يعاقب لأنه لم يمتثل لأمر النبى فى قوله "لا تسبوا أصحابى" والواقع ان هذا الخلط نتج عن تصور ان الصحابى المتدين هو الصحابى السياسى، وأنه فى الموقفين شخص واحد علينا توقيره وإجلاله وعدم معارضته وهذا خلط بين ووهم متفش بين كل من يتعرضون لمثل هذه الأمور فلم يعترض أحد وأولهم فرج فوده على إيمان وتقوى وتدين هؤلاء الصحابة، ولكن الاعتراض عليهم عندما مارسوا السياسة وانغمسوا فيها وبدأت حرب حماية المصالح واستحواذ المغانم. ونتساءل عمن كان قاسياً على الصحابة ؟ فرج فوده أم السيدة عائشة التى قالت عن عثمان بن عفان ذى النورين : اقتلوا نعثلاً لعن الله نعثلاً"

االتهمة الخامسة : فرج فوده من أهم أسباب الفتنة الطائفية , من يقرأ هذه الكلمات لابد له ان يتصور ان فرج فوده كان صاحب اعلى السلطات فى مصر، بل يتصور انه مدير الـ CIA إلى يستطع وحده ان يحرك خيوط مؤامرة الفتنة الطائفية حتى استحق اللقب الذى أطلق عليه وهو "الأنبا فرج" ' الفرق بين فرج فودة وبين الشيوخ الحمير إنه اقترب من منطقة الألغام لينزع الفتيل ، أما هم فقد اقتربوا ليضعوا البنزين على النار حتى تحرق الأخضر واليابس , الفرق بينه وبينهم أنه ي إعتبر القبطى مواطناً له كافة حقوق المواطنة ، أما هم فيعتبرونه عظمة زرقاء تفرض عليها الجزية ، وتمنعه من تولية الوظائف العليا .

التهمة السادسة : العلمانية وهى تهمة ينطبق عليها القول بأنها تهمة لا أنكرها وشرف لا أدعيه وتذكرنا هذه التهمة بموقف فى فيلم البداية لصلاح أبو سيف عندما أقنع جميل راتب رجل الأعمال سكان الواحة أن أحمد زكي رجل ديمقراطي وبدأ الكل يتعامل معه على انه شخص مجذوم والمفروض ان يبتعد الجميع عنه "ده ديمقراطى يعنى ما يعرفش ربنا" . وكذلك فالعلمانى كافر والعلمانية يعنى اللادينية . ان هذا ما هو إلا محض كذب وافتراء ولنعد إلى اصلها اللغوى Secularism مشتقة من كلمة لاتينية وهىsaeculum بمعنى القرن ولو شئنا الدقة الكاملة لكانت الترجمة الصحيحة للكلمة هى الزمانية، أى التى ترتبط بالأمور الزمنية، أى بما يحدث فى هذا العالم وعلى هذه الأرض، فى مقابل الأمور الروحانية التى تتعلق أساسا بالعالم الآخر، إذن فالعلمانية لا تعنى من قريب أو بعيد اللادينية على إطلاقها ولكنها تقصر التنظيم السياسى للمجتمع على اجتهادات البشر دون ان يكون لفئة منهم الحق فى الزعم بان هذه وجهة نظر السماء .

هذه هى أهم التهم التى وجهت الى فرج فوده والتى استخلص منها أنه كافر خارج عن ملة الإسلام حسب كتابات ابن تيمية وآراء شيوخ أزهريين ممن لم ينسو أن يستنكروا ويشجبوا القتل , فالقتل بأيدى المتطرفين فقط هو المستنكر عندهم، فقد كانوا يتمنون أن تكون الدولة هى التى تتولى محاكمته وأن تدينه بإعتباره من عتاة المتطرفين وتقيم عليه الحكم الشرعى الذى يستحقه, أى ان الإعتراض فقط على ان القتل لم يكن على الطريقة الشرعية!! أى ان شيخ الأزهر ظل يكفر ويكفر وهو يعرف تماما ان التكفير إعدام مؤجل لحين توافر الإمكانات والشروط، أى لحين توافر من اقتنع ونفذ وأطلق الرصاص ولكن وهو يعرف تماما ان من منحه الفتوى منحه معها راحة الضمير، وبعدها هل يحق لنا ان نتساءل بكل براءة وبعد كل هذه السنوات من هو القاتل الحقيقى لفرج فودة ؟!.