عبدالله بن المقفع

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

عبدالله بن المقفع (724 ـ 759) حالة نادرة في تاريخ الثقافة والأدب العالمي، كان الرجل المناسب في المكان الغير مناسب في الوقت الغير المناسب ! مما أدى لمقتله بأشنع الطرق التي قد تطرأ على بال بشر (تقطيع وغلي بالماء الساخن). كان منحدرا من اصول زرادشتية ولكن ذلك لم يكن يعني عدم تغلغل الإيمان في قلبه! , فعندما تراجع كتيبه الصغير الأدب الصغير والأدب الكبير ستدرك بما لا يدع مجالا للشك ان الرجل قد ولد مسلما وترعرع كذلك ويحمل من الفقه والأدب ما لايطيقه كثير ممن ادعوا الإسلام وابطنوا الكفر بداعي إنتمائهم لبني يعرب !

حياة ابن المقفع هي حياة الصراع مع السلطة بتجلياتها المختلفة ولا سيما الجانب السياسي منها، فهو بالإضافة إلى سعيه لوضع كتاب ينشد صلاح الحاكم والمحكوم ، كان رافضاً الدخول في حاشية السلطان والفقيه، ما يعني تقديم رؤية إصلاحية متقدمة على زمانها، يتم فيها الفصل بين ما هو ديني وسياسي، وهو ما لم تتقبّله السلطات السياسية والمجتمعية لا في زمان ابن المقفع ولا في زماننا، وهي من جانب آخر، شخصية ابن المقفع تشكّل ترجمة تاريخية لحياة المثقف العربي ، بمفهومه المعاصر ، في صراعه مع السلطة، وهي ثيمة قديمة جديدة يدفع ثمنها أصحاب الرأي الحر كما حصل لابن المقفع ومخطوطه الذي بدل أن يحرّر الأفكار سرت فيه النار وأكلت أوراقه , ثم أمر الوالي بالإجهاز على ابن المقفّع. وإذا بالشخصين اللذين قيداه يقطّعان أعضاءه ويرميانها في التنور ، إلى أن أتيا على جسده والمهلبي يقول:

والله يا ابن الزنديقة لأحرقّنك بنار الدنيا قبل نار الآخرة

تحاكي قصة عبدالله بن المقفع واقعنا المرير ومدى ارتباطه بالحاضر , إشكالية الحكام والرعية. فهي انعكاس لصورة الماضي في مرآة الحاضر بكل تجليّاته سواء الظلامية منها أم المضيئة. العلم يعصم من التطرف . أما الجانب المعتم فيتمثل بقتل ابن المقفع وما يقابله اليوم من اغتيالات وتصفيات لمثقفين عرب لأسباب قد لا تختلف في جوهرها عن الأسباب التي ساقها القتلة لتصفية مثقفي ذلك الزمان.

كان البيت العباسي مبنيا على أسس نظرية سليمة في ما يتعلق بالدولة والسياسة والرياسة غير أن الأحقاد التاريخية الموغلة في الصدور لم تشأ أن تندحر من صدور قوم كانت لهم سدة الحكم. فلم يتحمل بني العباس رجل كعبدالله ابن المقفع ذو الأصول الفارسية أن يكون نابغا متفوقا على اقرانه الذين لاينقصهم شيء ابدا، الا انه كان ترجمانا لافكار وفلسفات ولغات أخرى بحكم نسبه القابع في إقليم خراسان. رغم حياده التام الواضح في مؤلفاته، الا ان ذلك لم يشفع له البته في استنقاذ نفسه من جحيم التعذيب.

هكذا شاءت إرادة الطغاة أن تحرم الأمة من هذا العالم الكبير الذي لم تشفع له أفضاله العلمية الجليلة بنقل التراث الفارسي المكتوب بالبهلوية (اللغة الفارسية القديمة) في عدة كتب شهيرة، هي: (خداينامه) في سيَرِ ملوك الفرس ، و(آئين نامه) وهو في قوانين الفرس القدامى ورسوم ملوكهم في قيادة الجيوش وفنون الحرب والآداب العامة، و(التاج في سيرة أنو شروان) وهو في سيرة الملك كسرى أنو شروان وأخلاقه، و(نامه تنسر) وفي تشريعات الفرس القدامى. ولم تشفع له أفضاله الجليلة في نقل كتب الحكمة المتعالية الفارسية إلى العربية، مثل كتاب (الأدب الكبير) أي: الحكمة العالية أو الأدب الرفيع. وكتاب (الأدب الصغير)، وكتاب (اليتيمة). ولم تشفع له أعماله بترجمة بعض أشهر كتب اليونان من الفارسية إلى العربية، وهي الكتب التي ترجمها الفرس من قبل إلى لغتهم، حيث كان الفرس كما قال ابن النديم قد نقلوا في القديم (قبل الإسلام) شيئاً من كتب المنطق والطب اليونانية إلى لغتهم الفارسية. ولم يشفع له نقله إلى العربية واحدا من أشهر الكتب في العالم، وهو كتاب كليلة ودمنة.

المدهش في الأمر أن ابن المقفع أنجز هذه الأعمال الكبيرة حتى دون تمويل من الدولة، إذ المعروف أن الخلفاء العباسيين كانوا يمولون عمليات ترجمة الكتب من اللغة اليونانية إلى العربية فقط، أما ترجمة الكتب الفارسية وغيرها، فتمت بمبادرة من الكتاب الفرس أنفسهم، أو بأمر من الخلفاء، ولكن بدون تمويل. وقد ذكر ابن النديم أسماء أكثر من عشرين كاتبا فارسي الأصل كانوا من فصحاء اللغة العربية، تركوا بصمة واضحة في الحضارة الإسلامية، بل وأسهموا في رفد حضارة الإسلام النامية بكم كبير من درر ونفائس تراث الإمبراطورية الساسانية وحضارة فارس.

تهمة الزندقة[عدل | عدل المصدر]

إن من يقدم مثل هذه الأعمال الجليلة إلى أمة الإسلام، لا يمكن أن يكون قد قصد الإساءة إليها أو إلى الدين كما يدعي بعض المتطرفين الجهلة، ولا يمكن أن يكون قد دخل إلى الإسلام لغاية أو هدف تخريبي لكي يتهموه بالعداء للإسلام وبالزندقة . إن هؤلاء الطاعنين والمشككين قبل غيرهم كانوا يعرفون حقيقة سرائر هذا الأديب والعالم الكبير، ولكن حقدهم وتطرفهم، ورفضهم للعلوم الحديثة، دفعهم إلى اختلاق الأكاذيب للإساءة إلى تاريخ هؤلاء العلماء الأعلام ؛ ومنهم ابن المقفع صاحب الفضل الكبير على حضارتنا، ولذا تعمدوا تشويه سيرته، والطعن في صحة إسلامه؛ بما نسبوه إليه من أكاذيب ودجل .

من المؤكد أن هذا التحجر هو الذي دفع بعضهم إلى وصم ابن المقفع بالزندقة، إذ نقل عن ابن المهدي، أنه قال:

ما رأيت كتابا في زندقة إلا هو أصله

.

ومع ذلك لم يتمكن لا ابن مهدي ولا ابن النديم ولا ابن حجر ولا غيرهم من المتقولين من ذكر ولو كتابا واحدا في الزندقة وضعه الرجل الذي انقلب جميله الذي أزجاه للأمة هما وغما عليه. ليس خافياً ما يشكله هذا الفكر العملي المنحاز إلى مصالح الشعب من خطورة على السلطات الاستبدادية المتحكمة، السياسية وغير السياسية. فهو في تجلياته الثقافية والاجتماعية والسياسية، يساعد كثيراً على اكتساب الوعي بالذات، ويبعث الرغبة الملحّة في امتلاك الحرية، والمعرفة، ويزيد القدرة على مواجهة المشكلات، ومكابدة ظروف الواقع اختياراً. وما يزيد من الآثار الخطيرة التي يحدثها في المجتمع، كونه صادراً من أديب أولى بنفسه دوراً أساسياً بالمعنى الاجتماعي الواسـع للكلمة فلم يجد حرجاً في أن يتعالى حتى يسمو على الحاكم نفسه، فيكون له مرشداً، وعليه رقيباً، ولا يتورع عن توجيه النقد والاتهام إليه، إذا ما رأى منه انحرافاً عما يراه حقاً وعدلاً.

إن أعظم الأخطار التي يخافها الحاكم، هي أن يُبتلى بأديب، مثل ابن المقفع، هذا المفكر الذي جهر بآراء جريئة، هي في الحقيقة أهداف جميع الشرائع الدينية، ومنها الدين الإسلامي، الذي اتهم ابن المقفع بالمروق منه ومخالفته، فانتهى إلى أن يكون في عداد المفكرين الذين يقضون تنكيلاً وقتلاً وتمثيلاً؛ لا لشيء، إلا لأنهم استجابوا لما تدعو إليه هذه الشرائع ذاتها من الإيمان بالإنسان، والانتصار لقضاياه الأساسية، وحقوقه المشروعة.

الرمزية في كليلة ودمنة[عدل | عدل المصدر]

من دعائم الصياغة الفنية لكتاب كليلة ودمنة، جرَيان الأحداث في محيط الطبيعة الزاخر بظواهر ومشاهد تثير العجب والدهشة، لطرافتها وغرابتها، واختيار معظم الشخصيات الصانعة لهذه الأحداث من البهائم والطير، ويجوز لنا ألّا نكتفي بالتعليل الذي يذكره ابن المقفع في المقدمة في قوله إن مبعث هذا الاختيار تعميم الفائدة المرجوّة منه لتشمل المتلقّين بمختلف مستوياتهم الفكرية ومراحل أعمارهم، ولنا أن نرد اختياره لسببين: أحدهما أنه عمد إلى التعمية والرمز تحرزاً من انتقام الخليفة وأعوانه، لما يقصد إليه في الحقيقة من إصلاح اجتماعي، ومن إدانة السلطة السياسية، لما يعانيه المجتمع من آثار سلبية ناتجة من جورها واستبدادها وبطشها، وفسادها الشامل. وهذا ما نسبه بالرمز، حيث يراد شيء يخشى عواقبه، ويرمز له بشيء آخر بعيد نوعاً ما من ما يراد حقيقة.

والسبب الآخر فني، فليس ببعيد أن يكون هذا الاختيار الموفق استجابة لمتطلبات أدبية وعاها الكاتب، مدركاً أن التعبير الفني عمّا هو فكري مطلب عسير جداً لا يمكن الوصول إليه إلا بشروط، قد يحققها هذا الشكل الفني الذي يستحوذ على ملكات المتلقي الوجدانية والشعورية جميعاً، ويستدعي بإلحاح مخيلته لتكون على الدوام حاضرة حضوراً فاعلاً في عملية التلقّي، حتى لا تدع للقوى العاقلة أن تنشط إلا بإشرافها وبوحيٍ منها. عندها تتبدل مقاييس الفكر وقوة أبنيته، وتتقلب أحكامه من النقيض إلى النقيض، فما كان من قبل عقلاً، غدا لحظات التلقي وهماً وخيالاً. فثمة عوالم تحمل هذا الشكل الفني المبتكر على خلقها خلافاً لصورتها الأولى، وعلى أن ينوط بها خصائص ليست لها في العادة والطبيعة، إنه تغيير في المفاهيم والتصورات أحدثته معالم الطبيعة،ة بأصباغ وألوان كفيلة بأن تحجب العقل، أو على الأقل تحدّ كثيراً من نشاطه.

يقول ابن المقفع إن العامة والأغرار، يكتفون بما يتبدّى في ظاهر الكتاب من اللهو والتسلية، تسجيةً لأوقات الفراغ، ويُقبل الأحداث على قراءته مأخوذين بغرائب حكاياته، وأحداثه الجارية، في عوالم الحيوان.

وأما هو فجمع لهواً وحكمة، فاجتباه الحكماء، والسخفاء لِلَهْوِه، وأما المتعلمون من الأحداث وغيرهم، فنشطوا لعلمه، وخف عليهم حفظه

أي أن هؤلاء المتلقين يكتفون بما يتسرب إلى وجدانهم من ألوان الأحاسيس والمشاعر الغامضة، فلا يسعفهم الفهم بتدبر ما استبطن في أمثاله، وحكاياته وأحداثه، من أبعاد وموحيات، أو على الأقل من فرائد الحكم والعِبَر والدروس الاجتماعية والأخلاقية، فلا يعلق في وجدانهم من هذا كله، إلا ما يثار فيه من عواطف ومشاعر وانفعالات فطرية كامنة، مثل الشفقة والأسى، أو النغمة واللوم والاحتجاج، أو الرغبة بالفضائل والقيم النبيلة، واستقباح ما يخالفها من رذائل، وقيم سلبية كريهة؛ وذلك حينما يرون إلى ضحية مسكينة، وقعت فريسة لكائن قوي متجبّر، أو أودى بها جهلها وطيشها، وقلة حيلتها، وتسرّعها في إمضاء أمورها من دون تبصر أو تفكر، أو قادها الهلع والطــمع والغرور إلى حتفها، أو سبقت إلى لسانها، كلمة سوء كان فيها هلاكها.

ابن المقفع يريد كتاب كليلة ودمنة للعامة، كتاب تهذيب، وتعليم، وإصلاح، كما يريده كتاباً فنياً أدبياً ممتعاً، ويضعه بين أيدي الحكماء، ليكون تذكرة لهم بالحكمة الخالدة، يغوصون في محيطها ما شاء لهم الغوص، وسلوى لقلوبهم تسري عنهم ما يعانونه في واقع حياتهم، من المفارقات الغريبة، والمفاسد والموبقات القاتلة، مثل طغيان السلطة واستبدادها، وظلم الأقوياء، وتفشّي الجهل، وانتشار الفقر والحرمان، والأوبئة، والأمراض، وإعراض الناس في معظمهم عمّا يُدعون إليه من مكارم الأخلاق، وفضائل القيم والمعارف والحكم، ومن التحلّي بالصبر والشجاعة، والجرأة والتمرّد والتصدي.

الإصلاح الشامل بادئا بالسلطان[عدل | عدل المصدر]

إن عظمة ابن المقفع تكمن في وعيه المتقدم لدور الأديب الطليعي الإصلاحي، والتزامه القضايا الاجتماعية والأخلاقية، واعتبار الإنسان قيمة كبرى، لا اعتبار لأي نشاط بشري يتجاوز حقوقه، أو يجافي مصالحه المشروعة، ولا صلاح للدنيا إلا بصلاح ظروف الحياة من حوله، فابن المقفع: «أديب كبير… كان لفكره ولأدبه فعلهما الكبير في مجتمع العصر العباسي الأول؛ لأن المسألة الاجتماعية السياسية، تسرّبت إلى فكره وأدبه خلال العلاقة نفسها، التي لم يستطع هذا الكاتب الرائد أن يفلت من حضورها في كتاباته الإبداعية، ولم يستطع كذلك أن يخبئها وراء الرمز في كليلة ودمنة، ولا وراء الكلام النظري والتجريدي في كتابيه: الأدب الكبير والأدب الصغير .

كيف تظن أن يقول ابن المقفع كلمته، ويدلي برأيه في الحكم، والقضاء، وشؤون الدولة، وفي العلاقة التي يجب أن تكون بين الراعي والرعية، وتشكل الحكم، وكيف السبيل للإفصاح عن ذلك ؟ وكيف يصل صوته الداعي إلى الخير والفضيلة، والعمل، وبذل الجهد، والاعتماد على النفس، والتسلح بالوعي، والصبر، والروية، إلى الناس الذين أعجزهم الجهل، وصرفتهم الحاجة عن الإصغاء والفهم، إلا أن يعمد إلى التقية، فيلجأ إلى التلميح بمقاصده، والتلويح بنقده واحتجاجه، مراعياً في ذلك ميلهم الفطري إلى الخرافة والأسطورة، والإيمان بكل غريب عجيب من مثل حيوانات تتكلم، وتحاور، وتنفعل، وتحيك المؤامرات والدسائس، وتتصارع وتتفق، ويكون منها المهزوم والمنتصر، القاتل والمقتول، والضحية؟

وهل يمكن لابن المقفع أن يتوجه بالخطاب إلى الحاكم نفسه، ويكون في مأمن من أذاه وبطـشه، إلا إذا اعترف له بالسمو على سائر البشر، عامداً إلى الرمز، والكناية في التعبير عن آرائه وأفكاره؟ هكذا، فقد أجاد ابن المقفع في اختيار أسلوب الخطاب الرامز، فصاغه بقالب تصويري مؤثر قوامه الحكايات والأمثال النابضة بالحوار المثير، والفعل المتحرك، والحركة الدائبة المشوّقة، ما يجعل منها مسرحيات تقوم على مقدمة تضع المتلقّي في مكان محدد، وتعرض له شخصية أو شخصيات رئيسية، لا تلبث أن تواجه مشكلة تنذر بالخطر، أو تقع في مأزق، حيث العقدة التي يتطلب حلها فعلاً واقعياً، يجري عرضه مفصّلاً من خلال أحداث جزئية، تجري بصورة عفوية منطقية، وتتدرج بيُسْر وسهولة، إلى حلٍ أخلاقي يُرضي نزوع المصلح الحكيم إلى انتصار الحق على الباطل، والخير على الشر، ومنظومة القيم التاريخية الإيجابية النبيلة على ما يعارضها من القيم السلبية.

دعا ابن المقفع في رسالته ، إلى الإصلاح الشامل بادئاً بالرأس، أي السلطان، ومن ثم صحابة السلطان أو بطانته، والمجتمع، والقضاء والجيش، والشعب. كل ذلك في أسلوب جريء، متمرد، راوح ما بين تلميح وتصريح، مما أثار عليه حفيظة القائمين بالأمر، وبخاصة لما طالب ابن المقفع بإصلاح القضاء، كان كمن يريد تكبيل يدي الخليفة، ومنعه من عقاب من يشاء، وقتل من يشاء دون محاكمة أو سؤال. المؤسف والمحزن أن هذا الذي علمه أكثر من عقله لم يشفع له لا العلم ولا العقل حينما غضب عليه الحاكم، بل كان علمه وعقله سبب موته، وقد روى ابن حجر قصة مقتله بقوله:

وكان قتله المنصور سنة أربع وأربعين ومائة، لأن المنصور لما ظفر بعمه عبد الله بن علي، بعد أن جهز له جيشا بقيادة أبي مسلم الخراساني الذي هزمه، استأمن لعبد الله أخواه عيسى وسليمان المنصور، فآمنه، فطلب عبد الله من يرتب له كتاب أمان لا يستطيع المنصور أن ينقضه، وكان ابن المقفع كاتب سليمان أمير البصرة، فأمره أن يكتب، فكتب نسخة الأمان ومن جملته: "ومتى غدر أمير المؤمنين بعمه عبد الله فعبيده أحرار، ونساؤه طوالق، والمسلمون في حل من بيعته". فاشتد ذلك على المنصور، وأمر سفيان بن معاوية المهلبي أمير البصرة وكان يعادي بن المقفع أن يقتله، فاحتال عليه فقتله. فاستعدى عليه سليمان إلى المنصور، فأحضر الشهود ليشهدوا أنه قتله، فقال لهم المنصور: "إن قبلت شهادتهم، وقتلت سفيان، فخرج ابن المقفع من هذا الباب، ما أصنع بكم؟" فرجعوا في الحال عن الشهادة، وبطل دم ابن المقفع

وهكذا بسبب نزوة حاكم، وحقد والٍ، وجهل أمةٍ، فرطنا بعلم من كبار أعلام الأمة لمجرد أنه اخلص لولي نعمته، ونصح له، بدل أن نفيد من خبرته ونوظفها في تنمية خبراتنا، لنخدم ديننا وأمتنا. وكم من عالم قتله علمه وجاهل نال المقام الرفيع! رحم الله عبدالله بن المقفع