الوطن بتعبير الزعماء العرب عبارة عن طفل لا ينمو ولا يتحرك ولا يغادر أبدا مرحلة الطفولة الحرجة الدقيقة الحساسة .أن ما تَشبه الدولة تٌغرق ما يشبه الوطن بما يَشبه الوهم ، لكي يسهٌل عليها اختطاف ما يَشبه الشعب . لا تبتئس ، سيخرج عليك من يقول إن هذه المرحلة الدقيقة في عمر الوطن تستدعي تحمل الآلام ، حتى يخرج الوطن من عنق الزجاجة . كم مرة سمعت هذه العبارة أو قرأتها، منذ وعيت على الدنيا هذه المرحلة الدقيقة من عمر الوطن ؟ . كل أوطان العالم تمر بمرحلة دقيقة ، ثم تعبرها وتنمو وتنطلق ، لتعوض أبناءها عن وجع المرحلة ، إلا بلدان وطننا العربي ، منذ وجدت على الأرض ، وهي لا تفعل شيئاً سوى البقاء داخل المرحلة الدقيقة من عمرها ، وتطلب من عبيدها التحمل والتضحية والانتظار ، كي لا يختنق الوطن ، ولا يموت في عنق زجاجة المرحلة الدقيقة.

حقك مجهض ، حلمك ضائع ، مستقبلك مؤجل ، أمنك مهدد ، حريتك مهدرة ، آدميتك مهانة ، لأن الوطن في أزمة عبور المرحلة الدقيقة ، فلتبتسم راضياً وهم يقتلونك ، ولتهتف بحياة حكيم الوطن ، بينما فلذة كبدك تعذب داخل السجون ، أو تغتصب ، وتردد النشيد نموت ويحيا الوطن ، وعلى طريقة فرويد في عقدة أوديب : الإله الأب ، والإب الإله ، فكذلك يكون الوطن الحاكم ، والحاكم الوطن ، فليحيا الوطن ، وإن كان تابعا وذليلاً وتافهاً ودموياً وظالماً وقاتلاً وبليداً.

أكثر من يتحدث عن المرحلة الدقيقة في عمر الوطن هم الطغاة الفاشلون العجزة . لذا، ليس مفاجئا أن يكون نظام السيسي في مصر ، وبشار الأسد في سورية ، الأكثر استخداما لها . فحين يعترض الناس على قانون الخدمة المدنية ، يكون الرد : دعونا نتحمل المرحلة الدقيقة من عمر الوطن ، وحين يطالب الناس بإقالة وزير تعليم على خلفية تزوير نتائج أبناء الغلابة لصالح أبناء الإقطاع ، يخرج متحدث بإسم طيزي يقول : لا تلتفتوا للشائعات في هذه المرحلة الدقيقة من عمر الوطن .

ثلاثون عاما استمتع بها حسني مبارك بحكم مصر ، ببلادته وفشله وتبعيته وفساده واستبداده، مختبئاً خلف اللافتة السحرية , المرحلة الدقيقة من عمر الوطن ، فلينحبس الوطن داخل حالة الطوارئ والقوانين الاستثنائية سيئة السمعة ، وليمر مشروع التوريث ، وليخرس الجميع ، حتى يستطيع الزعيم الملهم العبور بالوطن مرحلته الدقيقة. أكثر من خمسة آلاف قتيل ، وستين ألف سجين ومعتقل ومطارد ، ضحى بهم عبد الفتاح السيسي ، بحجة تلك المرحلة الدقيقة / اللعينة في عمر الوطن ، تفويض بالقتل والقمع وإعلان الحرب على التاريخ والجغرافيا والهوية ، وقوانين طوارئ وإرهاب ومنع التظاهر ومصادرة البيوت والشركات والسطو على الممتلكات والمدخرات والمؤسسات ، والتهام حرية التنقل والسفر والكلام والتنفس ، ووضع الوطن كله في جيب سترة الجنرال ، لكي يعبر به، ويمر من عنق الزجاجة.

يشيخ الحكام على عرش الوطن ، ويورثونه الأبناء ، ويظل الوطن طفلاً لا ينمو ولا يتحرك ولا يغادر أبدا المرحلة الحرجة الدقيقة الحساسة ، وحدها أوطاننا التي لا تغادر مرحلة الطفولة ، منذ جلوس الزعيم على كرسي الحكم وحتى سقوطه ، ومقابل هذه اللحظة المجنونة , الدقيقة بتعبيرهم ، والتي لا تمر أبدا، يقتل الناس بالآلاف ، أكثر من مليوني قتيل وجريح ثمنا لتلك اللحظة الدقيقة الممتدة في سورية ، منذ العام 2011 ، منهم أكثر من مائتي ألف شهيد ، حسب إحصائية للمرصد السوري لحقوق الإنسان ، ناهيك عن مليوني لاجئ إلى تركيا وحدها ، وعشرات الآلاف الذين يطرقون أبواب أوروبا. استخدم هذه الأرقام إذا أردت أن تعرف عمر الوطن ، في سورية ومصر ، الوطن الذي لا ينمو ولا يكبر ، بل يبقى مستمتعاً بلحظة طفولته الدقيقة ، مطالبا الجميع بالتضحية والصمت ، كي يحاول عبورها.