ضبع
| ||
التصنيف العلمي | ||
---|---|---|
المملكة | الحيوانات | |
الشعبة | الحبليات | |
الصف | الثدييات | |
الرتبة | وحشيات | |
الفصيلة | الضبعيات | |
الجنس | المكروهيات | |
معلومات عامة | ||
معدل العمر | 65 - 75 سنة | |
معدل السرعة | 2 متر في الساعة | |
معدل الطول | 165 سم | |
العدد الإجمالي | 328 |
كان يا ما كان ، في قديم الزمان ، و سالف العصر و الأوان ، ليث أغلب ، نصب نفسه على الغابة سلطاناً ، و كان ديدنه إفتراس الغزلان و الحملان ، يعاونه في غزواته ضبع شرس لا يشبع من الفتك بالحيوان . و لأن الضبع كان يعرف أن سيده الليث تكفيه هو و لبوته و شبله في كل وجبة ثلاثة من الحملان أو الغزلان ، لذا فقد اعتاد الضبع قتل عشرة منها ، كي يصطفي لنفسه السبعة الباقية . ضجت الحملان و الغزلان من الفتك الذريع بهن ، فاشتكين عند الفيل . شمر الفيل عن خرطومه ، و توجه راعداً نحو عرين الضبع ، و استدعاه ، و قال له و هو يلوح بخرطومه
- أسمع ، أيها الضبع النتن ، إياك إياك و أن تفتك مرة أخرى بأي حمل أو غزال ، و إلا طوحت بك في غياهب مستنقع الرمال المتحركة ، فتغرق هناك غير مأسوف عليك ، ثم تطوف جثتك فوق مياه المستنقع ، فتأكلها الأبوام و العقبان .
- أرجوك يا معالي الفيل المبجل أن تتمالك أعصابك فكلنا شركاء في هذه الغابة . أنت تأكل النباتات ، فما شأن نيافتكم بالحملان و الغزلان ؟
- أيها الجاهل ، كيف تسمح لنفسك أن تسألني مثل هذا السؤال ؟ ها ؟ ألا تعلم أنهن أخواتي بالرضاعة ؟
- هممم . و لكن يا معالي الفيل المحترم أنّى لي أن أقلع عن افتراس الحملان و الغزلان ، و أنا لا أشبع من نهش لحومهن الطازجة ، و لا من قضم عظامهن الطرية ، و لا يسد جوع معدتي غيرهن ؟ هل تقبل أن أموت جوعاً ؟
- هل جربت أكل أوراق الأشجار مثلي ؟
- لا !
- إذن ، آن لك الأوان كي تبدأ بتجربة إملاء فمك النتن بها ، و قضمها ؛ فهي لذيذة و مغذية و معطرة للفم ، و لا عظام و لا دماء فيها . ما رأيك ؟
- و لكنني لا أحب أكل أوراق الأشجار ! و لا أستطيع تصور كيف أنها يمكن أن تشبع فيلاً ضخم الجثة مثلك . و لا يبدو لي أن مائة ورقة يمكن أن تساوي حتى نهشة واحدة من فخذ الغزال .
- إذن تناول وجباتك في مطعم الماكدونالدز !
- مطعم الماكدونالدز ؟ و لكن نسبة الكوليسترول فيه عالية ، و لحومه متورمة ، و مجدرة ، و مذبوحة على غير أحكام الشريعة . كما أنها تتسبب في عسر الهضم ! و لا تنسَ أنني حيوان مفلس ، لا يملك شروى نقير !
- لماذا لا تشتغل في مهنة مفيدة غير الفتك بالدواب المسالمة ، فتكسب منها ما تحتاج من النقود ، و تشتري طعامك بعرق جبينك ؟
- و لكنني يا معالي الفيل أمتهن أشرف وظيفة ؛ و إن كنت أستحرم من قبض النقود لقاء نتاج عرق جبيني ؛ و كل ذلك قربة إلى الرب تعالى .
- و ما هي وظيفتك ؟
- أنا الكاهن الأعظم للهيكل الحجري .
- و أي نوع من الوظائف هذه ؟
- إنها أشرف وظيفة ! إنني أتكفل بهداية العباد المذنبين الخطائين إلى درب الرب الصحيح القويم مجاناً و دون أي مقابل ؛ و لم أخيب يوماً رجاء كل ضبعة متقية في جميع أرجاء الغابة في تأمين الإتصال لها بالرب حسب الأصول ؛ فمراسيم هذا الطقس المبارك هي تخصصي الدقيق الذي لا يدانيني في ضبطه أحد .
- الإتصال بالرب ؟ شيء عظيم ! و كيف تستطيع عمل ذلك ؟
- أرجو أن تعفيني نيافة الفيل من البوح لك بالتفاصيل فذلك هو سر المهنة الدفين .
- و لماذا لا تستطيع الضباع الإتصال بالرب إلا من خلالك ؟
- لكوني الكاهن الأعظم لهيكل الإله .
- و كيف أصبحت الكاهن الأعظم ؟
- بالوراثة ، من المرحوم أبي .
- و من هو أبوك ؟
- كاهن الجهات الأربع ، قداسة الأب : شلنفص بن شلولو العرعوري .
- شلنفص ؟ ألم يكن يشتغل قواداً يجلب الضبعات السوداوات للضباع الخضران الغريبة طوال الوقت ، و ذلك قبل أن تهرب بجلدها قبل سنين من هذه الغابة ؟
- أنا أحتج ! و بشدة ! لقد كانت تلك وسيلة دستورية للإتصال بالرب !
- و لكن أباك لم يبق و لا ضبعة واحدة في كل الغابة لم يمتع الخضران بمفاتنها ؛ و كان كل ذلك يجري داخل أسوار قلعة الهيكل . فكيف تقول أنه مقدس ؟
- يا سيدي الفيل ، إتق الإله كي لا يمسخك خنزيراً أو قرداً حقيراً !
- طز بك ، يا ... ما أسمك ، أيها الضبع ؟
- جعرور العرعوري .
- إسمع يا سيد جعرور : ما أنت إلا ضبع حقير .
- كلا ، كلا ، يا سيدي . أتوسل إليك يا سيدي أن تصدق أقوالي . أنا ضبع ماجد ؛ و أنا الكاهن الأعظم لهيكل الإله المقدس ، و وظيفتي المحترمة هذه تدلل على كوني حيوان محترم ؛ و أنني على خلق و تقى ، و أخاف الرب ، و لا يفوتني أداء أي طقس من طقوسه المقدسة . و أن كنت لا تصدق أقوالي ، فاسأل عني الضباع ، و ستتأكد بنفسك كيف أنهم سيؤمنون جميعاً على أقوالي الصادقة هذه و بكل حق و حقيق .
- و هل شغلك في الهيكل كله جنس و متعة ؟
- كل ، كلا ! أنني أقيم الصلوات ، و أتلو الأدعية ، و أكتب الحروز ، و أقرأ الفأل ! هل تريدني أن أقرأ لك بختك ؟ أنت من برج العذراء ، أليس كذلك ؟
- الدلو .
- طيـ ..
- إسمع يا سيد جعرور ، لا حاجة لي في انتظار ما سيحصل لي مستقبلاً ؛ كما أن وقتي ثمين ؛ و لست مستعداً لسماع ترهاتك ، البتة . أريد منك الآن وعداً باتاً بأنك لن تفترس أحداً من أخواتي بالرضاعة ، مفهوم ؟
- مفـ مفهوم ، نيافة الفيل المبجل .
- هل أعتبر هذا وعداً قاطعاً منك ، يا سيد جعرور ؟
- بالتأكيد ، سيادتكم !
أعلن الضبع جعرور فجأة و على الملأ و من شاشات الفضائيات القطرية و السعودية و الإيرانية و الأمريكية توبته النصوح عن الفتك بالحملان و الغزلان ؛ و بالغ في إظهار آيات التبرؤ و الندم الشديد على أفعاله الشنيعة القديمة . كما راح يدعو الحملان و الغزلان يومياً إلى هيكله ، و يقدم لهن ألذ ولائم الحشيش و الورد ، و يبدي أقصى الإحترام و الإجلال لمقامهن . ليس هذا فقط ، بل و أستطاع هداية غالبيتهن إلى طريق الرب الصحيح القويم ، و راح يمنيهن بالمستقبل المشرق القادم لا محال ، و بالقناعة كنزاً لا يفنى ، و بالصبر مفتاحاً للفرج ، و بالآخرة الفاخرة بأنهار العسل و المن و السلوى ، و بالطاعة لأولي الأمر . كان كل ذلك يحصل أمام رؤوس الإشهاد ، و في وضح النهار . أما في غياهب الليل ، فقد كان ينسل خلسة من هيكله إلى أيكة الليث ، و ينتظر هناك لحين انغماس الليث في تبادل الغرام مع لبوته ، فيتقمم على الجيف التي يعافها الليث و اللبوة .
و بعد فترة وجيزة ، مات الليث ، سلطان الغابة ، لابتلاعه قرن جاموس . أجريت الانتخابات الفشفاشة في أرجاء الغابة كلها ، ففاز الضبع بغالبية الأصوات ، باعتباره صاحب القائمة الانتخابية المتقية المباركة ؛ و توّج حاكماً أوحد على الغابة . و أستمر يتقمم خلسة ليلاً على جيف اللبوة عندما ينزو عليها شبلها الشاب ، خوفاً من بطش الفيل و حالما تبوأ الضبع دسة الحكم ، حتى جاءته وفود المريدين من كل حدب وصوب ، و دبجوا له القصائد الفريدة ، و لحنوا المدائح لنضالاته المديدة ، و أرخوا لسيرته الدستورية الحميدة ، و أخلاقه القويمة الرشيدة ، و روائحه الزكية الوطيدة ؛ فصدق الضبع أنه قديس بكل حق و حقيق .
و كان من بين الوفود المبايعة شيخ عشيرة الثعالب ، الذي سأل الضبع عن سبب هزاله ، فقص عليه الحاكم جعرور قصة وعده القاطع للفيل بعدم الفتك بالحملان و الغزلان . لام الشيخ العجوز الضبع على ضعفه و تهاونه في وضع الأمور بنصابها القانوني السليم ، و طالبه بوضعٍ حد لتجاوز الفيل على الحقوق التي كفلها الدستور له باعتباره حاكم الغابة ، على سن و رمح . ثم ، عرض شيخ الثعالب أن يأخذوا هو و عشيرته على عاتقهم مهمة شد وثاق الفيل شداً محكماً لا انفكاك له منه ، و تركه على تلك الحالة ، فيموت من الجوع و العطش قضاءً و قدراً . و طلب الشيخ الماكر من الحاكم إصدار الأوامر المشددة لكل الحيوانات بعدم التدخل بشؤون قضاء الرب العادل المستقل بخصوص الفيل .
فرح الضبع بهذه الخطة الذكية الحكيمة ، و وعد شيخ الثعالب بجائزة له و لكل أفراد عشيرته إن هم أفلحوا في تنفيذها ، كما أصدر أوامره المشددة بعدم التدخل بشؤون قضاء و قدر الرب العادل المستقل بخصوص الفيل . في الليل ، إنسل الثعلب العجوز مع أفراد عشيرته إلى أيكة الفيل ، و طلبوا منه استضافتهم عنده . رحب الفيل بالضيوف أحر الترحيب ، و قدم لهم الورود هدايا ، فردوا عليه بهديتهم : نبيذ الكرز . فرح الفيل بهذه الهدية الفريدة ، و عب منها ما شاء ، حتى تعتعه السكر ، و نام . عندها ، شدَّ الضيوف وثاقه بأمراس الكتان شداً محكماً ، و انسلوا منسحبين تحت جنح الظلام .
في الصباح ، صحا الفيل المغلول من سكرته ، و راح يصرخ و يستغيث . تقاعست كل الحيوانات عن نجدته إمتثالاً للأوامر المشددة للحاكم العادل ، و سدت آذانها ؛ إلا بغل عنيد ، سمع الرعد الرهيب للفيل ، فخف لنجدته ، و فك أسره ، بعد جهد جهيد . ما أن استعاد الفيل حريته ، حتى قرر الرحيل نهائياً عن تلك الغابة الملعونة ، مرة ، و إلى الأبد . رجاه البغل التراجع عن قراره المؤلم هذا ، و هو يقول له : كيف يا معالي الفيل المحترم يمكن أن تقرر الرحيل عن هذه الغابة ؛ فتترك المقام في بلدك العزيز ، الذي ولدت و ترعرعت فيه ، و شربت من ماءه العذب ، و تنفست هواءه الطلق ؟ . ألا بئس المقام في بلد يتسنم الحكم فيه ضبع نتن حقير ؛ و يتولى الشدّ فيه ثعلب غادر سكير ؛ و لا يتكفل بالحل فيه إلا بغل عنيد غرير .