حلال

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

.

الحلال الحرام والحرام الحلال

سيطر الدعاة الجدد على الساحة العربية وخاصة في السعودية و مصر، ونافست أشرطة محاضراتهم الدينية التي كانت تباع بالملايين، أغاني شعبان عبدالرحيم ، وعجت محال بيع الأشرطة والـ CD بالمحاضرات التي يزعقون وينهقون فيها، بالتحذير من المفاسد التي تتهدد المجتمع . حرّموا كل شيء تقريباً، التلفزيون، التلفون الموبايل المزود بالكاميرا ، السفر للسياحة، الاقتراب من المرأة، حتى الورد الأحمر بات محرماً ، لأن إهداءه تشبّه بعادات الكفار ، وشبكة الإنترنت لأنها تقود إلى الفساد.

الدراجة الهوائية كانت من الأمور المحرمة، في خمسينيات القرن الماضي، تحريماً قاطعاً بفتوى رسمية، إذ كانت تُسمى حصان إبليس وكذلك الغترة البيضاء التي حارب أهالي بريدة لاعتمارها، كانت حراماً. حتى العقال الأسود الذي يضعه السعوديون حالياً على رؤوسهم كان محرماً. وليس من قبيل السخرية أن رجال الدين حاربوا التلغراف وعدّوه ضرباً من السحر والشعوذة. أما التلفزيون فمشاهدته كانت محرمة على النساء لأنه يعطي المذيعين الفرصة لمشاهدتهن، كان امتلاك ستلايت للبث الفضائي كافياً لتكفيرك ، ونعتك بأبشع الصفات. كبر أجيال من الشباب العربي وهو موقنون أن من يسمع أغاني مايكل جاكسون سيُصبّ في أذنيه الحديد المصهور. لكن بعد غزوة مانهاتن من قبل أسامة بن لادن وكمحاولة للابتعاد عن التشدد الذي أنتج الجماعات الإرهابية ، كالقاعدة وبناءا على أوامر من جورج بوش ، بدأ بعض رجال الدين التائبين يميلون للوسطية وتغيير الخطاب الديني .

كان من الطبيعي أن تظهر فتاوى جديدة، لكن اللافت هو انقلاب الفتاوى رأساً على عقب، وتغييرها من الحرام إلى المباح ، من رجل الدين نفسه. فقد كانت مطالبة المرأة السعودية بالمشاركة في الانتخابات البلدية، مطالبة شر هدفها إفساد المجتمع وتغريبه، ولكن بعد صدور قرار رسمي بالسماح للمرأة بالمشاركة فيها، صار الأمر على لسان المفتي أمراً لا بأس به، لأن الإسلام أعز المرأة، وجعلها شريكة في المجتمع . لا يفصل بين فتويي التحريم والإباحة سوى ثلاثة أسابيع فقط، وكلتاهما أطلقتا من على منبر جامع الإمام تركي ذاته من قبل نفس الشخص : مفتي السعودية عبدالعزيز آل الشيخ.

الكثير من التحولات بدأت تصدم المجتمع السعودي ، غير أن القرار المحوري وهو السماح للنساء بقيادة السيارة ، فما من رجل دين إلّا وحرّم تلك المطالبات، ووصفها بأبشع الصفات مثل قيادة السيارة تؤثر على حوض المرأة , وسطر الداعية عائض القرني رسالة طويلة فنّد فيها أخطار قيادة النساء وشرورها، وسبب تحريمها من الدين. لكن هذه الآراء كلها، تغيرت الآن، فاللجنة الدائمة للإفتاء أكدت في بيان أن: "فتاوى العلماء كافة؛ في ما يتعلق بقيادة المرأة المركبة، انصبت على المصالح والمفاسد، ولم تتعرض للقيادة ذاتها التي لا يحرمها أحدٌ بحدّ ذاتها" و قال عائض القرني في حديث إلى القناة السعودية الأولى: "لا حرج في أن تقود المرأة السيارة وحدها، وهي واثقة في دينها وفي رسالتها".

تغيّر الفتاوى بهذا الشكل وبهذه السرعة يظهر عدم استقلال المؤسسات الدينية وعملها كمنبر لخدمة مصالح وتوجهات السياسة. كما تسببت الفتاوى المتناقضة، والتي تتغير بحسب الموقف الرسمي، في فقدان ثقة الشعوب في رجال الدين . غالبية الدعاة يتمسكون بمبدأ تحريم المباح خوفاً من أن يجر إلى أمر محرّم، لكنهم، يضيّقون على المسلمين كثيراً، حتى بلغ المواطن مرحلة يفضل فيها الاعتماد على فهمه الشخصي للنصوص الدينية، وليس الفتاوى .