نجيب محفوظ

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ملف:Naguib Mahfouz in 1980s.jpg

نجيب محفوظ (1911 - 2006) روائي مصري، حمل تناقضاته وتناقضات عصره، أثار أسئلة عالقة في حياة العرب، وهي أسئلة دائرية مراوغة لا تنهزم ولا تنتصر ، تختفي ولا تموت، ومن بينها سؤال: التعامل مع العدو ، وإمكانية القبول به في حياة مشتركة. ومن بينها أيضا أسئلة علاقة الماضي بالحاضر، والشك باليقين ، والتردد بالحسم، والشخصي بالعام .أثير لغط حول محفوظ وموقفه من القضية الفلسطينية، بمناسبة الرسالة التي نشرتها السفارة الإسرائيلية متعمدة، في توقيت قرار الرئيس الأمريكي ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وبالتزامن مع الاحتفال بعيد ميلاد محفوظ , حيث نشرت صفحة خاصة بسفارة العدو الإسرائيلي في القاهرة نص خطاب أرسله محفوظ إلى الناقد الإسرائيلي ساسون سوميخ، المهتم بالأدب العربي، وبخاصة أدب محفوظ.

يستمر حالة التناقض ومحاولة إضفاء القداسة على نجيب محفوظ ، على الرغم من أنه اعترف بنفسه في عدد من الحوارات بضعف موقفه في العلاقة بالسلطة، موضحا أن نظام السادات استدرجه للتطبيع، حيث اتصلت به الرئاسة وورطته (قال ذلك بالتعبير نفسه.. تعبير التوريط) في لقاءات مع الإسرائيليين، وتصريحات عن ضرورة التعايش وانتهاء حالة العداء بين أولاد العم , بل إن محفوظ حكى ، في حوار منشور حقيقة "رسالة سوميخ". وقد كان شائعا بين المثقفين في ذلك الوقت؛ أن محفوظ يلتقي عددا من النقاد والكتاب الإسرائيليين ويتناقش معهم (قبل جائزة نوبل وبعدها)، بل كان يستقبل دبلوماسيين من السفارة الإسرائيلية والقنصلية الإسرائيلية بالإسكندرية، وقد دأب بعضهم على حضور بعض جلساته في الإسكندرية، والقليل منها في القاهرة. وفي ذلك اليوم، تتحول الجلسة إلى حالة خاصة يتم فيها تحديد أسماء الحاضرين،

هذا يعني أن محفوظ، وبرغم كل ما يساق من مبررات، لم يكن لديه مشكلة داخلية في التعامل مع الإسرائيليين، وينظر إليهم كنقاد أو كمثقفين يساعدون على نشر أدبه عالميا، ويساعدونه في مشروعه الكبير كأديب إنساني يتجاوز حدود القطر الذي يعيش فيه، وحدود اللغة التي يكتب بها، وحدود الثقافة التي ينتمي إليها، وحدود القضايا التي تفرضها هذه الثقافة، وهذه اللغة، بل وهذا الأدب الذي يكتبه؛ لأن محفوظ في معظم الأوقات كان يتناقض مع أدبه .

يمكننا أن نتأمل هذه الضجة، لنفهم كيف تعمل العقلية الصهيونية على تقسيم مواقفنا وتكسير ثوابتنا وإحباط حالتنا المعنوية، وهذا أمر طبيعي أن يصدر من أي عدو يخوض الصراع بمفهوم شامل لا يقف عند شكل القتال المسلح، بل يمتد إلى كل المجالات والساحات بغرض التفوق وإضعاف العدو. لذلك علينا هنا أن نحلل ردود الفعل العربية على الخدعة الصهيونية التي تستخدم اسم محفوظ ورسالته كحصان طروادة؛ لتوسيع مساحة الاعتراف بتطبيع العلاقات بينها وبين المثقفين العرب، وجمهور محفوظ السينمائي والأدبي الواسع. فإذا كان صاحب نوبل العربية في الأدب ودودا ومتعاونا وشاكرا وممتنا للاهتمام العبري بأدبه، فلماذا لا يسلك الأدباء الشبان وجمهور الأدب نفس المسلك الممتن الودود ؟ .

لكن المؤسف أن الردود على خطوة السفارة الإسرائيلية كانت ساذجة إلى حد مساعدة الصهاينة في خطتهم. فهناك من حاول نفي الرسالة والتشكيك فيها (برغم اعتراف محفوظ بها)، وهناك من سعى للدفاع عن محفوظ ومناصرته للقدس والقضية الفلسطينية؛ لأن شارك في كتابة الفيلم العربي الشهير الناصر صلاح الدين، وهناك من حاول إثبات دعم الأديب الكبير للقدس حتى بعد موته، مستدلا على ذلك بفوز الأديبة الفلسطينية حزامة حبايب بجائزة محفوظ للرواية التي تمنحها الجامعة الأمريكية بالقاهرة، والتي تزامنت مع إعلان ترامب ومع سطوع اسم القدس في سماء العرب الغائمة.

بل إن هناك من تعسف في قراءة رسالة محفوظ إلى جائزة نوبل، باعتبارها رسالة لدعم القضية الفلسطينية في مواجهة المشروع الصهيوني، لكن أحداً لم يناقش القضية بما يليق بأطرافها، ومعظمهم من المثقفين، فظلت في دائرة ناقلي الأخبار، وخانة الكاتب الكبير، من دون دخول كتاب أو نقاد في قضية انتقلت من مساحة التعامل الثقافي إلى المشاريع التنفيذية التي ترتبط بالتفريط في الأرض، والتواطؤ الصريح مع الأعداء، وكل ما يدور في المطبخ الجحيمي تحت غطاء صفقة القرن.

الزج باسم محفوظ في قضية القدس والتطبيع، ليس مصادفة عمياء، لكنه مناورة خبيثة تعيد استخدام حالة من الضعف الذي اعترف به محفوظ في علاقته كمثقف بالسلطة، في نفس الوقت الذي يجهل فيه معظم الشباب قيمة الأدب المحفوظي التقدمي، وقيمة الأسئلة الإنسانية والفلسفية المثيرة للجدل التي تطرق إليها أدبه، من علاقة الفقر بالانحراف الأخلاقي والسياسي (حميدة ونفيسة ومحجوب عبد الدايم مثلا)، وصولا إلى أسئلة الوجود ومعنى الإيمان ومعنى الحياة ذاتها. ولذلك، فإن الوقوف عند وقائع تمثل الضعف الشخصي للكاتب، تعد حيلة من حيل التربص والاجتزاء والتحريف، لأن قيمة محفوظ لا تنبع من حياته الشخصية، ومواقفه المزاجية، بل من قيمة الأدب الذي تركه للأجيال.