الإسكندرية

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

الإسكندرية مدينة اعتادت الأفلام المصرية على اختزالها وأهلها في أنماط معينة ، ففي كل الافلام هناك بحر وأشخاص ينهون كل كلامهم بكلمة يا جدع ولا يأكلون سوى الصيادية ، هناك يونانيون وشاب رافض للواقع ، افلام لا تفهم منها شيئًا سوى أن الإسكندرية بحر وطلعلته مدينة ، وتخشى أن تنتقد هذه الأفلام ومخرجيها حتى لا توصم بأنك جاهل لا يفهم الأشياء العميقة والرسائل الغامضة التي تأتى وراء تلك الأعمال الفنية اللوذعية . هذه الفكرة المغلوطة جعلت سكان المحافظات الأخرى ، وبخاصة القاهرة إن تحدثوا مع أي شخص سكندري أن يقولوا يا بختكم طول النهار شايفين البحر ! والويل والثبور وعظائم الأمور لأي سكندري لا يقول لصديقه القاهري يا جدع حينها يتضح أنه لاجئ وليس من الإسكندرانية المأصلين . بادئ ذي بدء ، فإن الإسكندراني الذى يقول يا جدع غير موجود سوى في الأفلام وفي منطقة بحرى ، وسكان هذه المنطقة هم فقط الإسكندرانية الأصليون وبقية سكان المدينة أتوا من محافظات أخرى ، لدرجة أنهم كانوا يقولون عنها البلد التي لا تقسو على أحد ، فكل من ارتحل وجد ضالته واحتضنته المدينة ، ولا أعرف ما إذا كان سكان بحري يقولون يا جدع حتى الآن أم لا ؟ . هذا مجرد تصحيح واقعة ، لكن هناك اختراعات سكندرية أخرى مثل من يقول لك هركب المشروع وهو يقصد بذلك أنه سيتسقل سيارة أجرة . يحول الكاف إلى قاف ويفخمها . هناك المستيكة والمقصود بها العلكة . مليون اختراع يمكن أن يتحدث عنه سكان الإسكندرية سوى موضوع يا جدع .

الإسكندرية ليست بحرًا فقط , عليك أن تعلم هذا , ومن يختزل الإسكندرية في بحرها فاته الكثير ، هناك خليط ثقافي يمكن لأى مخرج أو منتج جاد أن يصنع عنه آلاف الأفلام لكن هذا لا يحدث لسبب غير مفهوم . في منطقة أبي سليمان بالإسكندرية ترتفع نسبة الجريمة وتزدهر تجارة المخدرات مع أن هذه المنطقة بالذات يسيطر عليها الإسلاميون بشكل تام، أو نستطيع أن نقول بأن النفوذ هناك منقسم بين الإسلاميين وبين تجار المخدرات ، ألا يستحق هذا الخليط الغريب فيلمًا يُصور هناك ويوضح كيف يمكن للنقيضين أن يتعايشا ؟ . سكان سموحة , المعتدون بأنفسهم بسبب رُقى منطقتهم , أغلبهم من محافظة البحيرة وتحديدًا من مركز إيتاي البارود أو دمنهور أو ما حولهما ، بينما يأتي بوابو العمارات من منطقة تسمى أبراج حمام وهي بالقرب من إيتاي البارود سالفة الذكر، منطقة هادئة تصلح لتصوير فيلم رعب أو مطاردات أو حتى فيلمًا ثوريًّا فهناك مديرية الأمن التي شهدت أحداثـًا ثورية جسيمة.

تحوي ميدان فيكتور عمانويل الذى تجمع فيه الثوار إبان 25 يناير ، وكان لهم دور لا يمكن نكرانه ، أو يمكن لأي مخرج أفلام وثائقية أن يصور فيلمًا عن النتائج التي ترتبت على قيام مديرية الأمن بإغلاق الطريق الرئيسي الذي تمر منه السيارات ويربط منطقة سموحة بمنطقة المطار والعوايد وهي مناطق ذات كثافة سكانية عالية وما نتج عن إغلاق هذا الطريق من اضطراب مروري وحوادث كثيرة بسبب مرور سيارات الأجرة داخل المناطق السكنية، طبعًا لو قُبض عليه أثناء التصوير فأنا لا أعرفه . بينما على الجانب الآخر هناك منطقة سيدي جابر التي تحوي تقسيم القضاة حيث الشقة هناك ثمنها 5472159624515151415 ألف جنيه ، وبجانبها محل العصائر الشهير الذى أدخل ثقافة خلط المشاريب ببعضها، فهناك مشاريب من نوعية كنتالوب بالبطيخ او هامبرجر بالكابتشينو ، بينما يتسابق الناس هناك على شرب الجرجير باللبن فتسأل أحدهم عن سر تناوله هذا الخليط الغريب فيغمز ويقول: أصله مفيد ! .

بينما تسير قليلاً وتمر من السكة الحديد في محطة سيدي جابر ستجد السلم الكهربي الذى طالما أرق المعلق الرياضي محمود بكر واشتكى للمحافظ ألف مرة من خلال المباريات التي يعلق عليها لكى يعيد الكهرباء لهذا السلم ولكن أحدًا لم يلتفت له . يُحكم أصدقاؤنا الصعايدة قبضتهم على منطقة العصافرة بشكل تام ، وهناك بعض سكان البحيرة والمحافظات الأخرى أيضًا ، في شارع 45 بمنطقة العصافرة تجد سكانه ينقسمون لقسمين سلفيين ومسيحيين، وأغلب المحلات التجارية يسيطر عليها هذان الطرفان ويبالغ كلِ منهما في إظهار تمسكه بهويته لذلك تجد أسماء ذات دلالة واضحة تسيطر على المنطقة مثل البتول” أو نور الإسلام أو مكة ، ومع ذلك لا يوجد هناك أية حالة من حالات المقاطعة الاقتصادية بين الطرفين فالمسلم يشتري من المسيحي والعكس صحيح ، باختصار إنها الوحدة الوطنية,هذه الأفكار إياها التي تغري المخرجين بالحديث عنها كي ينالوا جوائزَ عالمية موجودة هناك بشدة فلماذا لا يتحدثون عنها .

حديقة الموبقات[عدل | عدل المصدر]

هناك بعض المعالم السلبية في الإسكندرية ، كبعض الأماكن التي لا يجرؤ مسئول على إغلاقها، أو تتركها الحكومة لكى تبسط الشعب مثل تلك الحديقة الغامضة الكائنة بمنطقة السلطان حسين ، إنني أسميها حديقة الموبقات ؛ فهناك تُرتكب كافة الجرائم الجنسية بدءًا من الفعل الفاضح في الطريق العام مرورًا بالتحرش الجنسي – بالتراضي – وانتهاءً بأشياء لا أحب ذكرها .وأذكر في بداية عهدي بالإسكندرية أثناء دراستي بالجامعة اقترح عليّ صديقي السكندري أن نذهب إلى المكان الذي كنا ننوي الذهاب إليه حينها من طريق مختصر، وقتها دخلنا تلك الحديقة المشؤومة فوجدنا الحرس الذين يقفون على بابها كخيال المآتة ينظرون لنا نظرات نارية، ولما تعمقنا بالداخل رأينا هناك الأعاجيب فأدركت لماذا كاد الحرس يقتلونا بنظراتهم وقررت بعدها أن أبتعد بمسافة كافية عن تلك الحديقة حتى لا أجلب لنفسي شبهة، لماذا إذًا لا تشدد الحكومة الرقابة عليها ؟ لا أعرف ، ولكني أعتقد أنها البديل المنطقي للحديقة الدولية التي فاحت رائحتها ، ولم يعد بإمكان الحكومة أن تسكت عليها، فشددت الرقابة هناك وتركت المسألة على البحري في تلك الحديقة، فشكرًا لحكومتنا التي تحرص على ألا يصاب الشعب بـ الكبت.

مسجد أبي العباس المرسي من الأماكن التي يقصدها سكان الإسكندرية، لكنك تجد هناك أغرب خليط ثقافي يمكنك أن تراه، فأمامه كنت تجد بعض السرادقات التي تقام بها الحضرات الصوفية وهي مسائل تتناسب مع الجو الثقافي للمنطقة حتى لو اختلفنا معها بينما خلف هذا المسجد تشتعل تجارة المخدرات وبخاصة البيسة ، وهي نوع يؤدى بمن يتعاطاه للموت السريع جدًا، لا أعرف هل الوضع بالفعل تغير أم لا؟ لكن هذا الخليط العجيب جدير بالدراسة . عمارة الأشباح في رشدي ، مكان ظريف ويمكن لو ذهبت للمنطقة أن تحصل على بعض القصص المثيرة بدءًا من انتحار صاحب العمارة، مرورًا بغرقه مع أسرته، وانتهاءً ببيع العمارة لشخص آخر تعهد بتحويل الدور الأول إلى مسجد لكنه حنث بوعده ووضع في الخرسانة مجموعة من المصاحف لكي تملأ العمارة البركة فانقلب السحر على الساحر وانقض عليه حماة المصاحف وأفسدوا عليه قصده .

إنها حكايات لطيفة تؤمن بنظرية انتقام القوى الغيبية ويروجها المصريون لأنها تريحهم وتزيل من على كاهلهم أو كاهل الحكومة التي يؤيدونها , عبء معاقبة المخطئ فتخرج الكائنات الخفية لتعاقبه، ولو كانت نظريتهم صحيحة لخرجت أشباح المقتولين ظلمها لتعاقب قاتليهم ، لكن الأمور لا تجري هكذا أبدًا، عمومًا هذا المكان يصلح لتصوير فيلم رعب، ومع أن أسطورة العمارة انتهت بقيام بعض الشباب باقتحامها بشكل طبيعي وقيام ملاكها الجدد بإضاءتها تمهيدًا لتحويلها لفندق أو شيء من هذا القبيل لكنها مازالت تصلح، فالمصريون يعشقون الأساطير التي هُدمت. بينما في منطقة كوم الدكة وتحديدًا في الشارع الذي يربط بينها وبين محطة الرمل يتمرس أصدقاؤنا النوبيون ويشجعون الزمالك دون توقف بينما ينظرون لأي أهلاوي بارتياب شديد وبنظرات كالسهام قادرة على القتل، ربما تلقى علقة إذا جهر بتشجيعه للأهلي، وفي نهاية هذا الشارع تجد رصيفـًا لبيع الكتب، وهناك تجد أن تجارة الكتب رائجة نوعًا فتشعر بالأمل في المستقبل؛ فمصيبة شعوبنا أنها لا تقرأ .

لكنك تصاب بخيبة أمل حين تجد أن أغلب المشترين يقبلون على كتب مثل طريقك للنجاح في 7 ساعات ونصف أو كيف تصبح محمود الدسوقي في 26 يومًا؟ , فتدرك أن الأدعياء سيطروا أيضًا على هذا المجال فتستقل الترام الذي يمشي على سرعة 4 متر في الساعة أو ترقب أحد المشاريع من على البحر لتعود لمنزلك أو للشقة التي استأجرتها للاصطياف بالإسكندرية. الإسكندرية خليط ثقافي معقد لكنه بديع، ظلمها أدعياء الفن والسينما باختزالها في بحر وأشخاص يقسمون بالمرسي أبو العباس كل 4 دقائق ثم لا شيء، لا حديث عن أهل الإسكندرية الأصليين، عمومًا هذه مجرد رؤية بسيطة قدمها لكم شخص غير سكندري، فما بالك لو تحدث شخص سكندري عن مدينته الساحلية الجميلة؟ ربما قدم لك رؤى أخرى وأسرارًا تجعلك تتأكد من أن الإسكندرية أكبر من مجرد بحر.

مصدر[عدل | عدل المصدر]

  • أحمد شعبان