سيارة نصف نقل

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

شاحنة البيك أب أو السيارة النصف نقل (بالإنجليزية: Pick-Up) هي شاحنة صغيرة مكشوفة الخلفية تحمل البضائع والأحمال وجثث الزعماء بعد إغتيالهم . تم مصادرتها و منع إستيرادها في دولة غير ديمقراطية , من قبل زعيم غير ليبرالي منع أصحاب المواشي في دولته الذين يعتبرون سيارة النصف نقل نصفهم الأول الذي يتقاسمونه مع نصفهم الثاني من الأغنام والنساء الذين ينقلونهم من مرعى إلى آخر . الزعيم كانت له أسبابه القاهرة ، فقد تفاقمت كآبته ، منذ رأى جثة الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح يحمله في شاحنة البيك - أب رعاع لم يقيموا وزنًا لهيبته ، ولم يحترموا تاريخه الرئاسي ، فلم يعد الزعيم يذوق طعمًا للنوم أو الراحة منذ تلك الحادثة؛ لأنه بات يرى ، في كوابيسه التي لم تعد تفارقه ، أنه هو تلك الجثة المزدراة التي تعبث بها الأيدي وتتلاعب بهيبتها ، وتسخر منها كاميرات الهواتف المحمولة ، وهنا قرر أيضًا، مصادرة هذا الطراز من الهواتف ، ومنع استيراده .

الواقع، أن فكرة الموت المبجّل سيطرت تمامًا على ذهن الرئيس ، فقد بات هاجسه الأول والأخير أن يضمن لجثته ، بعد موته ، وقارًا وتقديسًا يضاهيان ما حظي بهما في حياته ، فقد كان على قناعة تامة بأن الفرق الطبقي القائم بينه وبين الشعب ينبغي أن يظل قائمًا إلى ما بعد الموت ؛ إذ كيف يتساوى الزعيم والمواطن في الموت ؟ ذلك محال ، ويتناقض مع كل الحتميات التاريخية , المفروض أن يكون لكل منهما موته الخاص . لا ضير أن يموت المواطن تحت عجلات قلابٍ ، أو في حفرة امتصاصية ، أو برصاصة طائشة ، لأن المواطن في عرفه طائش وحمولة فائضة عن الحاجة ، أما الزعيم النجم فلا ينبغي أن يموت إلا كنجم , هذا على فرض أنه سيموت أصلًا , لأن الخلود فكرة قابلة للتطبيق على الزعماء العرب ، وأن يكون محاطًا بمظاهر الأبّهة والتقديس والشعب المكلوم يحيط بقصره .

في الموت فقط كان الزعيم مؤمنًا بـالتعددية ، أما في السلطة فلا تعددية . ولا بأس أن تكون هناك تعدّدية قطرية في الوطن العربي ، أما الوحدة المنشودة فينبغي أن يكون هو زعيمها ، وإلا فلتذهب الوحدة إلى الجحيم . هذا ما كان يدور في ذهن الزعيم ، وهو يعاود النظر إلى شاحنة البيك -أب الفضيحة . وإمعانًا منه في الحذر راح ينبش كتب التاريخ ، للوقوف على مصارع الزعماء الذين سبقوه إلى القبور ، ليتلافى مصائرهم المأساوية . قرأ عن الأمراء العباسيين ، كيف كانوا ينبشون قبور بني أمية ، ويخرجون العظام منها ، لجلدها وحرقها إمعانًا في الانتقام والإذلال ، فقرر أن يبني قصرًا خاصّا لضريحه قبل موته ، ويخصص لحراسته كتيبة دبابات وسرب طائرات ، وأن يحصنه تحصين القلاع ، حتى لا يجرؤ أحدٌ على الاقتراب منه ؛ إذ لا يجوز لأحد أن يعبث بضريحه الملكي.

غير أن هاجس تبجيل جثته لم يفارقه ، خصوصًا وهو يقرأ عن مصارع زعماء معاصرين ، على غرار عبد الكريم قاسم ونوري السعيد في العراق ، وكيف تم تمزيق جثة الثاني وسحله في شوارع بغداد ، إبان ثورة 14 تموز 1958 ، فقرر أن يطمر الشوارع ، ويمنع إنشاء شوارع جديدة ، وليعد المواطنون إلى عصر الدواب ، لا ضير ، المهم أن لا يعبث أحد بجثته . حدث ذلك كله وأزيد ، من دون أن يحاول الزعيم ، ولو مرة واحدة في مماته ، أن يحقّق معادلة التبجيل المزدوج لشخصه حيًّا، وجثته ميتًا ، بأن يتبادل التبجيل والاحترام مع شعبه، وأن يمنحه حرياته وحقوقه.

ولأن الهاجس تفاقم في جمجمة الزعيم من عقدة شاحنة البيك -أب التي استحوذت عليه ، فقد واتاه الحل السحري ، وسخر من نفسه ، لأنه لم يفكر به قبل الآن ، فقد تذكّر ما فعله الشعب الإسباني يوم أحاط بقصر زعيمه الدكتاتور فرانكو ، إبان احتضاره ليودعه ، وحين قيل لفرانكو إن الشعب جاء ليودعك .. تساءل: لماذا؟ .. أين سيسافر الشعب ؟ .. نعم ، فالزعيم لا يسافر عن عرشه حتى لو مات أما الموت ، فينبغي أن يكون على سريرٍ وثير يشبه العرش ، وباقات الزهور والشموع من حوله ، والحاشية كلها حاضرة بنياشينها وأوسمتها، وعلى الأرض أن تتوقف عن الدوران مع توقف أنفاسه. اتخذ الزعيم القرار: الحل الوحيد أن يموت الشعب كله قبل موته.