ثورة تشرين 2019 في العراق ثورة سواء حققت أهدافها أو لم تحققها ,وهي ثورة الشباب لا ثورة الأحزاب. ثورة جيل لم يعش 14 تموز 1958 ، ولا 8 شباط 1963، ولا 17 تموز 1968، جيل لم يشهد ثورة الخميني ، ولا الحرب العراقية الإيرانية ، ولا احتلال الكويت ، ولا انتفاضة آذار الشعبانية 1991. إنه جيل لم يقرأ رأس المال ، ولا فلسفتنا ولا في سبيل البعث. إنها ليست ثورة صدريين ، ولا شيوعيين، ولا بعثيين ، ولا أتباع مرجعية عليا ولا غير عليا. يتميز حراك 2019 هذا عما سبقه عام 2011 وعام 2014، دون أن نبخس لأصحاب الحراكين السابقين حقهما .

الذي حرك شباب ثورة تشرين الأول 2019 معاناتهم ، وحرمانهم ، من أبسط شروط العيش الكريم ، من الماء والكهرباء ، ومن فرص العمل ، وحركهم مقتهم لحيتان الفساد وسراق المال العام ، والمتاجرين بدينهم ومذهبهم ومقدساتهم ، وحركهم رفضهم للنفوذ الإيراني. إنها ثورة لا تختفي وراءها أصابع من وراء الحدود، سواء الحدود الشرقية ، أو الشمالية ، أو الجنوبية ، أو الغربية. فهي عراقية ، شبابية ، عفوية.

يستعد حيتان الفساد في العراق لركوب موجة الإحتجاجات التي تعم العراق فقد قرر مجلس النواب تشكيل لجنة لدراسة أسباب خروج الشباب في مظاهرات ليس فيها حضور لأي من الاحزاب الطائفية والميلشيات و مقتدى في وطن تحول الى شباك تذاكر واصبح لقمة سائغة لدول القشامر. يعتبر خروج الشعب الى الشارع بعفوية وإمتلاكهم إصرار الأحرار والتطلع الى مستقبل بحجم النهار سابقة خطيرة ,فقد قتل بسبب عفوية المتظاهرين وكونهم ممن لم يهاجروا ، ولَم يخونوا ، ولَم يتسكعوا على ابواب السفارات 18 شخصاً منذ 1 أكتوبر 2019. وفرضت قوات الأمن حظرا شاملا للتجوال في بغداد، بتعليمات من عاطل عبد المهدي لمنع رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي او حيدر العبادي ورهطهم من العودة إلى السلطة من الشباك وإبقاء الوضع على ما هو عليه بل و أضرط.وصرح عبد المهدي بأنه قرأ سورة الفاتحة على أرواح شهداء التظاهر وبعث للمدهوسين أمنياته بالشفاء العاجل.

ليأذن لنا شبابنا الثائر ، الذي ننحني لهم ، أن ننبه إلى بعض النقاط، والتي بلا شك هناك منهم الكثيرون الملتفتون إليها ، ولكن بسبب العفوية ، وعدم وجود قيادة موحدة ، أو على الأقل عدم وضوح هذه القيادة ، إن وجدت، لي ولأمثالي، يكون من الطبيعي أن تتعدد الشعارات ، ولعلها تتعارض مع بعضها البعض أحيانا بدرجة أو أخرى.

  • شعار إسقاط الأحزاب: هو نِعْمَ الشعار ، لأن الأحزاب المتنفذة أو المشاركة في السلطتين التنفيذية والتشريعية، تكاد تكون كلها تتحمل مسؤولية ما آل إليه العراق من وضع كارثي منذ نيسان 2003 وحتى يومنا هذا، والتي لا تتحمل المسؤولية، إن وجدت، فهي لا أقل من كونها فشلت، أو هي ليست ذات تأثير يذكر.
  • شعار إسقاط النظام: فرق بين العملية السياسية والنظام السياسي ، فنحن لا نريد إلغاء النظام الجمهوري ، لنتحول إلى نظام عسكري ديمقراطي من طيزي ، ولا من دولة ديمقراطية دكتاتورية طائفية إلى دولة دكتاتورية فيدرالية .اعتراضنا هو على الديمقراطية المشوهة، وعلى النخبة السياسية المتنفذة أو المؤثرة. الجماهير الثائرة يمكن أن تطالب بإسقاط الحكومة، أو بحل لمجلس النواب العراقي ولكن يبقى نظام القنادر قائما .
  • شعار إصلاح النظام: هذا الشعار يجب حذفه من القاموس العراقي فلا يصلح العطار ما أفسده الدهر , فالسلطة التشريعية والرقابية المتمثلة بمجلس النواب العراقي فشلت في أداء مهامها الوطنية، في كل دوراتها لأنه متكون على الأعم الأغلب من القوى السياسية المسؤولة عن الوضع الكارثي في العراق، سواء الشيعية منها او السنية او الكردية , لو حققت الثورة نجاحها، وحاسبت القوى السياسية عما ارتكبته بحق العراق وشعبه، وحظرت الأحزاب المسيسة للدين، والممارسة للخطاب الطائفي، والمتاجرة بالمذهب ، والمتورطة بالفساد المالي أو بأعمال العنف، ثم جرى العمل على تأسيس أحزاب بديلة ، وطنية وملتزمة بمبدأ المواطنة، وبمبدأ الفصل بين الدين والسياسة، ولم يتورط أي من قادتها لا بالفساد ، ولا بالعنف، ولا بتسييس الدين ، ولا الخطاب الطائفي، عندها سنكون وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح.

نرجو من المطالبين بالتحول إلى النظام الرئاسي أن يخبرونا، أي من الأنظمة الرئاسية هي نموذجهم، الأمريكي برئاسة المهرج دونالد ترامب، أم الروسي الستاليني برئاسة فلاديمير بوتين، أم التركي العصمنلي برئاسة رجب طيب أردوغان ، أو المصري برئاسة البلحة عبد الفتاح السيسي. وأخيرا من المهم أن يبقى كل من الصدريين ، والشيوعيين ، والحكيميين و القوميين المتطرفين من الإنفصاليين الأكراد و المرجعية الشيعية والوقف السني و أحباب مختار العصر نوري المالكي وقاهر داعش من طيزي حيدر العبادي , بعيدا عن هذا الحراك .

أثارت التظاهرات التي انطلقت اوائل أكتوبر 2019 ببغداد ورافقتها أعمال عنف واصابات لواعج الذكريات عن تظاهرات واضراب السواق عام 1963 ببغداد الذي مهد لانقلاب البعث يوم 8 شباط ، وتعكز الرجعيون يقودهم شقاوات البعث على مقولة للمرجعية مفادها ان الشيوعية كفر والحاد ، واتخذت مادة لتصفية القوى التقدمية دون تمييز بين شيوعي وديمقراطي ومستقل ، جميع الاخيار وضعوا في سلة واحدة هي سلة الإلحاد وعاملتهم قوى الامن الرجعية معاملة الملحدين الذين يجب اقامة حد الموت عليهم وبالفعل ذهب ضحية الانقلاب الشباطي الاف المواطنين والمواطنات قربانا في سبيل الحرية التي سلبها الانقلابيون بمختلف الحيل والمؤامرات الدنيئة .

في الوقت الذي نساند فيه التظاهرات المطالبة بالقضاء على الفساد وتقديم الخدمات التي يحتاجها المواطن وإرساء أسس القضاء المستقل النزيه ، نشدد على تحمل القوى الوطنية مسؤوليتها في مساندة المتظاهرين ومنع المندسين من العبث في أمن المواطنين وحماية الممتلكات الاهلية والحكومية من التخريب وقد أعذر من أنذر .