كفرناحوم

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كفرناحوم
اخراج
نادين لبكي
سنة الإنتاج
2018
قصة
جهاد حجيلي
بطولة
زين الرفيع • كوثر الحداد • نادين لبكي • فادي يوسف • يوردانوس شيفراو
اللغة
العربية

كفرناحوم فيلم للمخرجة اللبنانية نادين لبكي فاز بجائزة التحكيم في الدورة 71 من مهرجان كان السينمائي 2018 وسط 15 دقيقة من التصفيق المدوي، هذا الفوز الذى أسعد اللبنانيين، واجه هجومًا من قبل أنصار حزب الله اللبناني . تدور قصة الفيلم الذي حكت فيها لبكي عن الطفولة المعذبة والاستعباد المعاصر ومفهوم الحدود، حول طفل سوري لاجئ في لبنان ، يدعى زين الرافعي ويبلغ من العمر 13 عامًا، وهو طفل لم يسبق له أن قام بالتمثيل ، فقد لفت نظر معدي الفيلم بينما كان يلعب مع أقرانه في أحد الأحياء الشعبية ببيروت ، وتعيش شخصية زين في الفيلم وسط عائلة فقيرة للغاية، فهو ينام في أقل من نصف متر مربع مع أخواته، ويفتقدون إلى أسياسيات الحياة، كما أن أبناء العائلة غير مدرجين في السجل الرسمي للدولة، لذلك يضطر الفتى للعمل لدى أسعد الذي يملك محلًا تجاريًّا صغيرًا لبيع الدواجن في ذات الحي.

يظهر زين الطفل السوري في الحقيقة، في قعر مجتمع الفقر والتخلف والعوز، مجتمع القسوة والتوحش، فأمه ليست أكثر من وحش يمشي على الأرض، لا يتسامح معها الفيلم ولا حتى بالتقاط لحظة حنان عابرة مع أولادها، وإنما تستمر طوال الساعتين بضرب الأولاد، باستنفاد كل تعابير الشتم المغرقة في السوقية، وبالطبع فإن زوجها لا يقل شراسة عنها. لم تحاول لبكي , وهي التي شتمت الإعلام الذي انتقدها أن تتعاطف قليلًا مع هؤلاء الناس، الذين يعيشون في أسوأ الأوضاع، قانونيًا وماديًا وإنسانيًا، فكانوا مادة دسمة لاستعلاء صناع الفيلم، ينظرون إليهم نظرة فوقية، والأهم أنهم يكرهونهم، ولا يتعاطفون معهم.

البديهي أن كل مجتمع إنساني هو نتاج ظروف ومؤثرات خارجة عنه، ومهما بلغت صعوبة الحياة فيه؛ فإنه يخلق نوعًا من الألفة والحبّ بين مكوناته، ولكن لبكي نظرت إليه بعين مستشرق أو أجنبي، يريد التقاط صورة توصله إلى جائزة ما ! ولبكي لم تبذل أي جهد بالتفتيش عن الإنسان هناك. الفيلم يتجاهل الأسباب، يحمل المسؤولية لهؤلاء المتخلفين والفقراء والوحوش أنفسهم. الحكومة في نظر الفيلم ليست مسؤولة، أعمدة الفساد الاقتصادي لا دخل لهم.

شعرت بالسعادة أن فيلم كفر ناحوم لم يحصل على أي أوسكار ، لم يعنني كثيرًا أنه فيلم يحمل جنسية عربية، واستفزني أن بطل الفيلم العبقري هو لاجئ سوري ؛ شعرت مخرجة الفيلم بأنها منحته الحياة بحصوله على اللجوء بعد فيلمها، وأما الإعلام السوري المعارض الذي سوّق للفيلم لمجرد أن بطله طفل سوري لاجئ، على أنه فيلم لبناني يتحدث عن مشكلة السوريين في لبنان، فبدا إعلامًا سطحيًا وهزيلًا، غارقًا في سخافة الشعارات؛ لأن المنصات الإعلامية، والصحافيين الذين تبنوا الفيلم، استخدموا “زين” السوري، لحصد مشاهدات ولايكات، وعندما أدرك بعضهم أن الفيلم لا دخل له، لا من قريب ولا من بعيد، بالوضع السوري في لبنان الغارق في تلقي عنصرية لبنانية من الكثيرين، عندما أدركوا ذلك تجاهلوا الموضوع، وانتقلوا بسرعة إلى الاحتفال بترشح فيلم عربي للأوسكار.

يُحسب للبكي بالطبع عبقريتها باختيار زين، ويُحسب لها أيضًا أنها كانت صريحة في عنصريتها ضد المجتمع الذي ينتمي إليه زين السوري وزين اللبناني، وكانت أكثر صراحة بإعلان انتمائها إلى الطبقات الأخرى من المجتمع، ويُحسب لها فطنتها باستخدام دعاية وجود طفل لاجئ سوري في الفيلم، لأنه سيمنح الفيلم بطاقة براءة من اضطهاد اللاجئين، وبطاقة دخول لقلوبهم، وبطاقة أهم، هي ملائكية مخرجة أرستقراطية وجميلة وفنانة وأنيقة، باختيارها لطفل لم يعرف يومًا السرير، وإنما قضى حياته “ينام على الحصير”.

تفاصيل غير مهمة[عدل | عدل المصدر]

كي تكون أقرب ما يكون لشخصيات الفيلم ، قامت لبكي بزيارة سجون أحداث ومناطق عشوائيات وإصلاحيات في لبنان ، وتبادلت الحديث مع الأطفال ، واختارت أن يكون أغلب الممثلين في الفيلم غير محترفين ، حتى تكون خطوط التصوير عفوية ، وتأثيراتها واقعية لحد كبير . في كفرناحوم بؤس جامح ، كل الموضوعات مجهّزة للظفر بجائزة . العالم الثالث ، مخرجة امرأة في ظلّ ضوضاء التحرّش وقضايا مساواة أجور النساء ، طفل مهدور الحقوق ، الفقر المدقع ، العمّال الأجانب ، الدعارة ، العمالة غير شرعية ، الهجرة غير القانونية، استرقاق الأطفال ، البيدوفيليا وزواج القُصَّر. 3 يلائم فيلم لبكي ، بمثاليته ، قوالب جمعيات الأمم المتحدة الجاهزة . ولا يبدو أن المخرجة مهتمة بالقصص التي ترويها في كفرناحوم ولا حتى بالسياق الاجتماعي والمكاني للبلد بقدر اهتمامها بتحريك عواطف المشاهدين . في هذا الفيلم ، تتراكم القصص ، لكننا نبقى على السطح ، لا ندخل في تفاصيلها لأنها كثيرة التشعّب . نبدأ بـ زين مقيّد اليدين (زين الرفيع)، المسجون بتهمة محاولة قتل زوج شقيقته القاصر ، انتقاماً لها. ثمّ نراه في المحكمة. هنا، لم يعد الجاني بل المجنيّ عليه، فهو قرّر رفع دعوى على والديه لأنهما أتيا به إلى هذه الحياة. من هنا يبدأ الفيلم بفلاش باك إلى حياة ابن 12 عاماً في أحد الأحياء العشوائية الفقيرة.

من منزل العائلة الذي يشبه كل شيء إلّا المنزل ، نبدأ مسار زين الثائر والمتمرد على مجتمعه وواقعه بهروبه احتجاجاً على تزويج أخته القاصر. يلتقي بالعاملة الاثيوبية رحيل (يوردانوس شيفراو) التي تستقبله في بيتها لقاء اعتنائه بطفلها ، خلال غيابها في العمل، وهو طفل غير شرعي تخفيه خوفاً من القانون والمجتمع. ثم تختفي العاملة فجأة، وهي أيضاً لديها مأساتها التي لا نعلم بها حتى نهاية الفيلم . يبقى زين وحيداً مع الطفل ، ويقرر في لحظة التخلي عنه ليعود إلى منزله ، فيجد اخته متوفاة ، ويقرر الانتقام، وهنا نعود الى السجن والمحكمة. أربكت لبكي فيلمها ومشاهديها، فحوّلت الدراما الواقعية الى صورةٍ ثقيلة عن معاناة الأطفال، ما أدّى الى تسخيف قصتهم المؤلمة. راكمت الأزمات الحقيقية فوق رؤوسنا، لكنّ واقعية هذه الأزمات تفرض بدورها طرحاً موضوعياً يرفع من شأن القضايا من دون حاجة للتلاعب بالعواطف .

خيارات الألم والبؤس مختلفة ومتنوعة في قاموس كفرناحوم : صراصير في الزنزانة ، صنبور المياه المهترئ ، مياه الشرب الملوّثة، الأوساخ في أرجاء المنزل ، الأم التي تتخلى عن أطفالها ثمّ تصرّح عن حبها لهم، أطفال يتاجرون بالمخدرات . نسأل أنفسنا أين تدور أحداث الفيلم ؟ لا نعرف تماماً.. بطبيعة الحال سنقول إنها بيروت فالمخرجة لبنانية ، لكنّ هذا غير كافٍ لنجزم . تمزج لبكي القليل من نهج المخرج دي سيكا بنكهة لبنانية ، تلعب على السرد البطيء وتستخدم الموسيقى في اللحظات الحزينة ، الكثيرة بالمناسبة . تصور البؤس من قرب، ولقطات الأطفال ودموع غضبهم وحزنهم، إذ لازمت كاميرا لبكي وجهي الطفلين لأكثر من نصف الفيلم، فوضعتنا بالتالي أمام التزام عاطفي تجاه الفيلم، ألا يشكل هذا ابتزازاً ؟ نتبع زين الذي يجرّ الطفل الصغير وراءه ، لقطات طريفة هنا وهناك لتجميل الاختناق. يتمكّن الممثلون من الاستيلاء على قلوبنا، هم غير محترفين لكنّهم قدموا أداء كاريزماتياً اكثر من رائع.

كان يجدر بالذرائع الدرامية التي قامت عليها قصة الفيلم، أن تصبّ في مكان آخر بعيداً من العيون الباكية، ومن دون أيّ حاجة إلى الموعظة والتبشير . لكننا، في أسلوب لبكي ، لم نشعر بعمق القضية أو جوهر الاشكالية ، كل شيء بقي ثانوياً أمام غايتها الواضحة: استدرار الأحاسيس للوصول إلى مشاهدين باكين فقط ، على قاعدة أنّ البكاء = النجاح . بهذه المقوّمات بات كفرناحوم أشبه بالافلام الوثائقية التي تستخدم لحملات التوعية عن الفقر في العالم الثالث ، بل إنّ هناك نوعاً من نهج وثائقي مزيف، وهذا الاستنتاج تكرّس أكثر بنزوع مخرجة العمل إلى الموعظة.

على زين التعامل مع كل شيء في هذا العالم القاسي، وعلى نادين لبكي وضع اصبعها على كل شيء سيء في هذا العالم ، بفيلم طموح جداً يحاول هز روحنا البشرية. وحتى لو أن أحداً منا لا يفهم حماقة عصرنا، تأتي لنا نادين بأرخميدس صغير ، بذكاء فائق ووعي بحقوق الإنسان ، ليفسّر كلّ شيء. وهنا نصل إلى الحوار، يقال الكثير طبعاً في هذا المجال. هناك عناصر تكرار كثيرة، تُلعب الحوارات دائماً على وقع كثيرٍ من الضجيج، البكاء، العنف . أمّا ابن الـ12 عاماً فيقول عباراتٍ لن يقولها أقرانه بكلّ تأكيد، "نحن اقل من لا شيء نحن طفيليات"، يسدي النصائح مثل: "لا تنجبوا أطفالاً لا تستطيعون تربيتهم" ثمّ يتلو عبارات معقّدة عن الكرامة، كأنها تخرج من فم فولتير.

تتراكم المشاكل، ثم فجأة يحصل حلٌ سحريٌ : وصول المحامية التي تلعب دورها نادين لبكي هو حبل الخلاص . أتخمت لبكي فيلمها بالقضايا حتى وصلت إلى نقطة اللاحل ، فرمت بنهاية خيالية تقطع التطوّر السردي الحقيقي ، إن وُجِد أساساً. ومع هذه النهاية تكتمل صورة الفيلم الهزيلة ، حتى لا تتعب نادين لبكي نفسها بحلحلة العقد . حتى عنوان الفيلم يبقى مبهم المعنى ، وإن بحثت قليلاً تجد خلفياته التبشيرية . فكفرناحوم هي البلدة الفلسطينية التي ألقى فيها المسيح أول خُطبه الشهيرة موعظة الجبل . وإن بحثت أكثر، تجد تفسيراً لاتينياً، كفرناحوم هي الفوضى والاضطراب ، وهكذا تماماً تركنا الفيلم.

سؤال لا بدّ منه: ما هي نية نادين لبكي في تقديم هذه الخلطة المأسوية، وبأي صدق نقلت المعاناة؟ المؤكّد أنّ النوايا الطبية وحدها لا تُنجح عملاً سينمائياً . بكلّ أريحية، يمكن القول أننا أمام ابتزازٍ واضحٍ . فخلال ساعتين أمام الشاشة، نتكيّف مع كمٍّ لا بأس به من الشرور، ولم يكن التكيف غاية نادين لبكي بكلّ تأكيد. فالقضايا التي أثارها الفيلم أساسية طبعاً، لكن هل يجب أن تنتقل إلى شاشات السينما في هذا القالب العاطفي البحت ؟ هل تحِلّ سينما القضايا المعلّبة مكان تلك القيّمة الخلّاقة، فنياً وتقنياً، في مهرجانات السينما القديرة ؟

كفرناحوم فيلم مثالي للجوائز التي باتت تنحدر إلى مستوى الموضوع/القضية من دون كثير توقف عند معالجته الفنية ، لكنه دليل مقلق على الإنتاج الذي يمتصّ قضايا المستضعفين ثم يفرّغها من أجل دموعٍ تُنسى على أعتاب الصالات . هنا الميلودراما البحتة ، التي لا تحاكي الأفكار ولا تنتهي إلّا بالسعادة الخيالية. هنا، لا مناطق رمادية بين الطيبين والأشرار، لا شخصيات معقّدة، فقط مآسٍ متقاطعة . كفرناحوم لنادين لبكي ، رغم أنه أفضل ما قدمت إلى الآن ، ورغم التصفيق المطوّل وجائزة لجنة التحكيم وتطبيل جزءٍ من الإعلام حتى قبل مشاهدة الفيلم، يظل بعيداً من السينما الجيدة، بكل جدارة واستحقاق.

حزب الله[عدل | عدل المصدر]

ماذا عن الأثرياء الذين واللواتي ينتزعون الأطفال الفقراء ويطيرون بهم إلى عواصم الغرب يستعرضونهم طمعًا في جوائز الرجل الأبيض ، كان هذا هو الـتساؤل الذي طرحه الكاتب في جريدة الأخبار أسعد أبو خليل ضمن موجة الاعتراض والتبخيس من قبل أنصار حزب الله اللبناني التي رأى البعض أنها جاءت للتصدي لموجة التهاني اللبنانية للبكي على ما حققت من إنجاز في مسيرة السينما اللبنانية على مستوى العالم.

هذه الحملة بدأت بمهاجمة مذيعة تعمل في قناة المنار التابعة للحزب هي منار الصباغ ، فقد وصفت الفرحين بفوز الفيلم بـ أبناء فينيقيا وكتبت:

‏بمناسبة الإفراط بالحديث عن الشخصيات التي ترفع رأس لبنان عاليًا لجائزة أو مسابقة أو تحدٍ ما.. يا معشر المثقفين. أبناء فينيقيا منهم تحديدًا. هذه الصور لشهداء اليوم الأول من معركة القصير 2013. قبلهم وبعدهم ارتقى كثير من قديسينا الشهداء.. باعتقادي لبنان يكفيه هذا المجد لقرون .

كذلك انضم إلى حملة الكورال المقاوم كما سماها الإعلام اللبناني المعارض لحزب الله ، النائب نواف الموسوي ، فقد غرد قائلًا: «بلا لبكي، بلا وجع راس : وقت الجدّ ما فيه غير سلاحك بيحميك»، وتابع موعظته بالقول: «المعترض على بلا وجع راس وأختها، هلّا سمّ لي أسماء الأفلام التي تتناول المقاومة، أيّ مقاومة عربية كانت، ونالت جائزة غربية».

يعد هذا الهجوم مضمرًا على الفيلم ورسالته الإنسانية، حيث ينظر بعض أنصار الحزب إلى مشاركة أطفال سوريين في الفيلم على أنها تساهم في تبديد مقولاتهم أن اللاجئين السوريين في لبنان ما هم إلا دواعش ، أو مجرمين، كما شعر أنصار الحزب أنّ العمل يحمل في طياته اتهام للحزب بالمساهمة في تشريد السوريين ، ويرى المتابعون اللبنانيون أن هذا الموقف ينطوي على عدائية مغلّفة تجاه رسالة الفيلم، وفيه يستعير أنصار حزب الله الشهادة ثم يضعونها في مواجهة مع مأساة اللاجئين والمهاجرين، بغية احتكار المجد وتلزيمه معايير معيّنة.