المندس اليوم قتلت شخصاً في ساحة الإعتصام وعندما عدت للبيت وجدت أبي يبكي , سألته : ماذا هناك يا أبي ؟ قال: غريب ما .. قتل أخاك في الشارع , أصابته طلقة لأن صوته أصاب عروش الطغاة , آه كم كانت ولادته عسيرة ، لكن قميصه المضرج بالدمِ أفضل ! لونه ضارب للسمرة اكثر من الحمرة، ارجواني مطعون بالبنفسج الكئيب ، كان مرحاً قبل يومين ، أقرانه في ساحة الإعتصام أشعلوا شمعة عرفتها من بين الشموع . المندس'شخص ينتمي الى الفئات الأكثر هامشية والأصغر سناً والأكثر بطالة بين الشباب كان قبل الثورة صغيراً حتى أن يذهب للمقهى أو يتأخر ليلاً , طالت لحيته من وقوفه تحت الشمس من تموزَ الى تموز ، منذ ولادته يبيع الماء أو يفرش بضاعته على الأرض ليصادرها شرطي بأمر الرئيس . يعيل خمسة أو سبعة أفراد ، ويحفظ جدول ضربه الذى أضيف عليه رصاص القناص , لم يرى دولاراً واحداً ؛ أما المليار فرقم فلكي صعب لا يدركه , فشهور السراق طوال والمال شحيح لا يكفي أما شهور الضيم على البؤساء فهو الأعرف بقسوتها. يساعد المندس على التحلل من عبء المسؤولية الوطنية والأخلاقية من خلال تحميله وزر التخريب والفوضى والدمار . لا هوية واضحة ومعلنة له , يتغلغل في الحشود . شخص غاضب ويائس ومستضعف مثخن بالإحباط واليأس والقنوط لا يجد إلا أن يعبر عن مرامه بالإحتجاج وإن كان مرفوضاً ومستهجناً من قبل الأكثرية القانعة والمستريحة .

ما أجمله وهو مسجى بدمائه ، وعلى وجنته اليسرى ، او اليمنى وشم كانت تتندر عليها أمه عندما كان صغيراً تغسل وجهه من عبث الأطفال وبقايا الطين . طين في طين , وطنه طين، حظه من طين ، وقلبه نار ستسجر فيها الطين , فهو يبني وطناً تخمّر بدمه ودموع الناس وشقاء المحرومين .دار ودارت أيامه شاحبةً وكبر وما زال ببلاد موعود , لم يلملم سوى أشلاء رفاقه القتلى وبأحسن حال قبض للريح وهمِ ووعود , قالوا له مرة صبراً ، وأخرى أمراً، ومن بين الجفنين عمره ومضاً يمضي ، وإن قُدّر من بين الأبناء له ولداً غراً فلن يجني سوى أرقامٍ توهمه سعيدا ، لكنه يقضي العمر وحيدا بين السأمِ وجنون الصمت وغياب الوقت . في كل اضطرابات تشهدها الدول العربية هناك اتهام جاهز تطلقه الأنظمة وعليه تبرر قمعها للمحتجين , التهمة الجاهزة هي وجود مندسين بين جموع المحتجين ، وهؤلاء المندسون أصحاب أجندات خاصة تتلقى تعليماتها لتنفيذ مؤامرة تحاك من أعداء البلد في الخارج ، المندسون هم من شوهوا مطالب شباب تونس ، وهم من خرب وحرق وقتل ودمر , هذا ما قاله زين العابدين بن علي و حسني مبارك . وأمير المؤمنين معمر القذافي وهو ما يقوله كل رئيس عربي إذا ما ثار شعبه مطالبا بحقوقه المسروقة.

المندس هو شخص أو عدة أشخاص يتسللون إلى داخل مجموعة كبيرة من الناس ، وهذا المندس لا يشارك المجموعة همومها ولا أحلامها وطموحاتها، ويعمل المندس على إضعاف الروح المعنوية للمجموعة ، وبث روح الفرقة ، ويتعاون المندس مع جهات خارجية ليست على وفاق مع الجهة التي اندس فيها ، وغالبا ما تكون المصالح المادية دافعا للمندس ، وأحيانا يكون دافعه الكره . من هذا التعريف اللغوي للمندس لا نرى فئة في العالم العربي ينطبق عليها هذا الوصف أكثر من الأنظمة الحاكمة وحاشيتها . فالأنظمة العربية انفصلت عن شعوبها حتى أصبحت قلة معزولة مقابل سواد أعظم هو الشعب ، كما أن الأنظمة العربية لا تشارك شعوبها همومها ولا آمالها وتطلعاتها ولا أحلامها وطموحاتها ؛ فالأنظمة العربية في واد وشعوبها في واد ، هي وزبانيتها ترفل بالنعمة ، وتتلفح بالحرير بينما شعوبها ترزح تحت خط الفقر والبطالة . الأنظمة العربية الحاكمة هي التي تتعامل علنا وسرا مع قوى أجنبية مكروهة من شعوبها و تتلقى تمويلا أجنبيا في العلن وتحت الطاولة .