المنطقة الخضراء

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

المنطقة الخضراء او كما يسميها البغداديون الكوكب الآخر , منطقة حدّدها جغرافياً بشكل قسري الحاكم الأميركي المدني بول بريمر . مساحتها 22 كيلومترا ، ضمت إضافة إلى المنشآت الرئاسية والحكومية العراقية للنظام السابق ، أحياء وبنايات سكنية مقابل تعويض بائس قيمته ألف دولار قيمة إيجارية، ثم تحولت هذه الوحدات السكنية، المحمية بأطواق أمنية أميركية عديدة، إلى مقرّات وأماكن سكن للرئاسات الثلاث وأعضاء مجلس النواب العراقي والعاملين في سفارة الولايات المتحدة، بعد تخفيض قيمة إيجاراتها.

يتفرّد العراق بحالات كثيرة، لا يشابهه فيها أي بلد آخر في العالم، مذ التغيير السلبي الكبير الذي حلّ بهذا البلد عام 2003 وما تلاه من سنوات عجاف. فالعراق الأعلى في معدلات الفساد، وفي مستويات البطالة قياسا بميزانياته الضخمة، والأردأ تعليما وتأمينا للصحة، الأخطر أمنيا، والمفتوح أمام كل التدخلات . استشراء المخدرات بكل أنواعها، امتلاك مليشيات منفلتة ومرتبطة بأجندات خارجية لإضعاف ما تمتلكه أجهزة الدولة الأمنية من الأسلحة. أرقام قياسية عالمية في عدد الأرامل والأيتام والمدن المدمرة.

لكن ومع كل ما ذكر من سوءات في المشهد العراقي الداخلي، فإن التفرّد الذي لا يشبهه شيء في العالم هي ما سميت المنطقة الخضراء في قلب العاصمة، ذاك أنه لا وجود البتة لكل ما ذكر في أعلاه داخل هذه المنطقة، في داخل هذه المنطقة الكوكب كل ما يحتاجه المجتمع المدني كامل الإمكانات، إضافة إلى كل القدرات الأمنية التي توفر لسكانها الأمن، أو الفرار عند بلوغ الخطر تجاهها مرحلة متقدمة، كل وسائل الترفيه ومنتديات السهر والمنتجعات ، كل الخدمات بشكل دائم ومثالي، كالكهرباء والماء والنظافة وجودة الطرق والمنشآت.

إذن نحن أمام شعبين ، يعيش أحدهما أسوأ حالات الإهمال المتعمد ، ويتمتع الآخر بأعلى مظاهر الرفاهية والرخاء . الأول هو من انتخب الثاني ليتركه ويسكن في الكوكب المجاور المحظور على الأول دخوله أو بلوغ أبوابه، شعب يعيش داخل كوكب مجاور لبغداد، يصرّح ويعلق ويناقش قضايا شعب العراق، من دون أن يخرج ليطّلع بنفسه على ما ألمّ بهذا الشعب من ويلات، وشعب على الرغم مما قام به الآخر من إهمال متعمد لتقديم أبسط الخدمات لعيش كريم له، ينتظر ليعيد انتخاب رجال الكوكب الآخر ونسائه، على الرغم من معرفته أن أغلبهم سرقوا أمواله وقوته وأدخلوه في نفق من التخلّف والفساد والمديونية العالمية، وسلطوا عليه بذنوبهم من لا يخافهم، ولا يرحمهم من عصابات دولة بعينها، وانتهاكات لدول أخرى.

ساتر ترابي أو سياج إسمنتي أو مكهرب يفصل بين عشرات السنين من التخلف الحضاري والعوز المادي وتراجع قيمة الإنسان في المجتمع، والتي كانت دوما عليا في كل مراحل الحضارات التاريخية للعراق. وهل، يا ترى ، ستكون للعاصمة بغداد عاصمة أخرى في الكوكب الآخر ، سيكشف النقاب عنها بعد حين ، بسبب الفارق الحضاري بين عاصمة الرشيد العتيدة والمتدهورة حضاريا باستمرار منذ عام 2003، والعاصمة النموذجية في الكوكب الآخر .