أصحاب الرقبة الحمراء

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

أصحاب الرقبة الحمراء ويسمى فردة الحذاء منهم بــ عنق أحمر (بالإنجليزية: Redneck) و هو جاري السيد Kevin الذي بادرته بالسلام ولم يحدث قطّ أن ردَّ على تحيتي، والتحية من الحياة، حتى إني حسبته أصمّ أو أعمى، فهو يتجنّب النظر إليَّ، كأنه لا يريد تلويث بصره برؤيتي. سألت عنه جاري وشريكي في السكن السيد بالدور، بعد أن بحثت عن كلمة أخرى غير العنصرية، في وصفه؛ مثل متكبّر أو مغرور أو متعالٍ، وأخبرته بإعراضه عني، فقال: إنه طيّار. وهذا يعني أنه كائن من السماء وليس من الأرض.

كنت أخالُ أنَّ عنصريته عرقية، فإذا بها مهنية، وقد اشتق العرب كلمة المهنة من الهوان. نحن في الغربة، والعنصرية في بلاد الكفر أشدُّ من الغربة في بلاد الإسلام وأنكى صِلِيّاً، فالاقتصاد والحاجة والضنك ، ورقابة دائرة المخابرات و النفط جعل العرب أبعد من الإنسانية وأقل رحماً، وكان من الأولى أن تقرّبهم منا، وهو يدفع إلى التساؤل عن الميراث الإسلامي الذي ضاع في فتحة عين عوراء لا في غمضتها، وهذا ما يجعلنا نقول: الإكراه يفضي إلى الكراهية، كان ذلك على الإنسان حتماً مقضياً.

قد تكون عنصرية مستر Kevin من مهنته الراقية، أو من عرقه أو من كليهما، وهو متقاعد، وحيد، منقطع لتنسيق حديقته، وترتيب أشجارها، وتقليم أغصانها، إلى حدِّ التعذيب، أكاد أصرخ فيه كلما رأيته يعمل فيها المنشار: رفقاً بهذه الأشجار والأزهار أيها الطيار. ليس له أحد كما يبدو، مقطوع من شجرة بالمنشار، ليس له زوجة أو كلب أو هرّة، قد يكون له أولاد، والأولاد في الغرب مثل الطيور حالما يتمكنون من القدرة على الطيران يتركون العشّ إلى أعشاش جديدة بعيدة، وليسوا مثلنا يحنّون أبداً إلى أول منزل.

أراه كل صباح منهمكاً في تعذيب الأشجار بآلاته المعدنية الكثيرة، والمتنوعة الأشكال، يشبه بعضها أدوات طبيب الأسنان، ينكش، ويعزق، ويقوم بعمليات جراحية في جذوع الأشجار وأصابعها، ويحلق العشب بماكينات الحلاقين، ولم يحدث قطّ أن التقت نظراتنا ببعضها. تقع كرات لهو الأولاد في حديقة منزله فنتركها، خوفاً من طلقة في الظهر، أو دعوى قضائية تجعلنا ننزح من جديد. أمس علق أرنب بين السياج الذي يفصل بيننا، فجازفت بالقفز إلى حديقته، تحت عباءة الظلام، لأن إنقاذه من جهته كان أفضل، وأنقذت الأرنب، وعدت إلى العدوة الأخرى سالماً. Kevin شوكة في الظهر، والمرء لا يستطيع إخراج الشوكة من ظهره وحده، في أمثالنا الجار قبل الدار، ولو كنت على الساحل لوضعت رسالة في زجاجة وألقيت بها على الموج، وقلت له فيها:

جاري الطيار العظيم ، لك مني أغلى التحيات وأكرمها، أنت وأشجارك، «ألا تعلو عليَّ وردوا عليَّ مسلّمين»، أعلم أني قد ضايقتك بسكني بجوارك، وأنا لم أوذِك، ولو أعرف أنك تقبل الهدية لكنت أهديتك هدية في عيد ميلادك الكريم، أو من غير مناسبة، حلوى أو دعوة إلى طعام، لكنك تأبى أن ترفع بصرك إليَّ. اعلم أيها الجار العزيز أني هنا بسبب آبائك، فقد استقبلت بلادي أوروبيين كثيرين، يهود ، عشرات أضعاف العرب الذين نزحوا إلى بلادكم، واستوطنوا في فلسطين، بل إنهم أخذوها كلها، وطردوا أهلي وأخوتي، وقد غضبنا لما جرى لهم، وهي أقدس بلادي وأكرمها، في دروبها مشى ربكم، «جدنا» المسيح، وفي إحدى صخورها ربط نبينا الكريم ركوبته البراق، وقد نزحنا بسببكم، فسبب مشكلة سوريا هو هتلر وعنصريته، السبب هو أنتم مرتين؛ مرة بسبب مذابح اليهود، ومرة بحزب البعث المستورد من بلادكم وأفكاركم وعقائدكم السياسية، ولو رفعت أوروبا الدعم السياسي عن طغاة العرب لسقط مثل سقف من الصفيح، وعدنا إلى أوطاننا.

لا تحسبنَّ أنني سعيد بالإقامة في هذا المنفى الأخضر، فكل منفى قبيح ولو كان فردوساً، المنفى كان عقوبة في التقاليد العربية وفي الشريعة الإسلامية، كما أن أولادي يتعلمون العلوم الغربية، وسيخدمون بلادكم وشعبكم، بل لنعترف أنهم صاروا أولادكم، تعبت عشرين سنة في تربيتهم فوجدتكم قد سرقتم أولادي جميعاً مني في ثلاث سنوات، يطيعون معلميهم أكثر من أبويهم، الحصيلة هي أني خسرت أرضي ثم خسرت أولادي، رفقاً بي يا سيد Kevin ، الدنيا خدٌّ وعين، بالأمس وقع لكم ما وقع لنا، نزحتم إلى بلاد الجيران، وإلى بلادنا أيضاً وأخذتموها عنوة، والحياة سجال، الدنيا يومان يومٌ لك ويومٌ عليك.

نعم، يا سيد Kevin ، وكالات الأنباء تذيع أخباراً مروعة عن عرب ارتكبوا جرائم مروعة، وتنظر إليها بمكبِّرة، وإلى ما يفعل زعمائنا الشراميط بمصغِّرة، والأخبار المروعة هي: زوج قتل زوجته وخرج إلى الشارع وسكينه تقطر دماً، وأب طعن زوجته الحامل في بطنها، وقال إنه غير نادم، سيقتل زوجته مرة ثانية لو علم إنها عادت إلى الحياة، ثم ألقى بنفسه أمام قطار الطلقة السريع، وثالث ألقى بابنه في النهر. نحن أيها السيد نادمون على الثورة التي قمنا بها على زعيمنا العربي , إنها جرائم الندم أيها السيد Kevin

كلما رأيتك تذكرت مشهداً من فيلم "خرج ولم يعد"، وهو فيلم رومانسي كوميدي عربي، يقول فيه ممثل عتيق اسمه توفيق الدقن وهو ينظر إلى صورة الكائن الفضائي المتخيل «أي تي»، ويقصد بقوله الشاب عطية النازح من المدينة: الواد عنده حقد طبقي. لديك حقد صامت، ربما يكون طبقياً، وكل ما أريده منك أن تهبط من طائرتك، وتردَّ السلام، والسلام على من اتبع الهدى. في المرة القادمة قد يردُّ مستر Kevin على التحية بأحسن منها أو مثلها، وربما نتعانق في إحدى المناسبات، عندها سأقول في أذنه: على رِسلك أيها الجار العزيز، أنا أحنُّ إلى بيتي وحارتي وهرّتي وقبر أمي وصوت صرصور الديار أكثر من حنينك إلى غيومك الغبية في السماء .