خروف

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
مراجعة 10:42، 19 يناير 2018 بواسطة imported>Mafia mafia
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
التصنيف العلمي
المملكة الحيوانات
الشعبة الحبليات
الصف الثدييات
الرتبة مزدوجة الأصابع
الفصيلة خروف و تخاريف
الجنس خرفان عرب
معلومات عامة
خروف مستنسخ دولي Dolly
خروف مقدس المسيح
خروف مسكين خروف العيد

الخروف : ارفع يدي الى الباري عز وجل ان يحولني الى خروف في هذا الزمن المر فان هذا يضمن لي صفحة سوابق بيضاء ناصعة وغير مصنفة على فصيل أو لون معين ويضمن لي قبل الذبح طبعا تبنا وشعيرا كثيرا ممزوجا بالملح من التاجرالجشع لضمان زيادة وزني وبيعي بأكبر مبلغ ممكن من الدنانير أو الدولارات أو الشيكلات هذا عدا الجولات السياحية في المراعي للتحلية بالحشائش الطرية بعيدا عن الهم البشري من طحين وغاز وفواتير التليفون والكهرباء وتزايد ضنك من يعيشون الحصار ويعانون من اغلاق المعابر . اني أرحب بمصيري على يد سكين جزار تنفيذا لقيمة التضحية الالهية ففي رأيي كخروف عيد ان نهايتي بهذه الطريقة هي أعظم من نهايات كثيرة للبشر من حولي حيث يذبح الاخ أخيه والابن ابيه من أجل مخترة أو مشيخة .

وُلدتُ مع توأمٍ في مزرعةٍ كبيرة .. وأتذكرُ بأنني وأخي كُنّا مُدللَين في الصِغَر ، وكان الجميع يهتمُ بنا ، وكانتْ اُمي ترضعنا من حليبها اللذيذ ، بل ان الراعي ، كان يجلب لنا حليباً جاهزاً في قَنانٍ عندما كانتْ اُمي مريضة . وفوق ذلك ، كان الراعي يحمينا مِنْ الخرفان الكبيرة ولا يسمح لها بإيذاءنا . أتذكرُ ان اُمي كانتْ تصيح عندما نبتعد قليلاً : إرجع ياولدي .. فأن هنالك ذئاب شرسة سوف تفترسك إذا إبتعدْتَ عن القطيع ! . لم أرَ ذِئباً في حياتي ، لكنني أرتعدُ حين أسمع بإسمه وحتى بعد أن كبرتُ وأصبحتُ خروفاً بالغاً . لم تستمر فترة طفولتي طويلاً ... وتدريجياً إكتشفتُ أن لحظات سعادتي في الأسابيع الأولى من عُمري ، كانتْ حُلماً قصيراً وإنتهى إلى الأبد .. وأن العيش كخروفٍ ضمن القطيع ، صعبٌ للغاية .

لشّد مايحزنني ، ان البشر يتصورون ان جميع الخرفان أغبياء ، ولهذا السبب يُسّمون الشخص المصاب بداء النسيان او الهلوسة ب " الخَرِف " المأخوذةِ من خروف . علماً أنني خروفٌ ذكي وعندي مَشاعِر وأحاسيس ... لكن صفاتي هذهِ نقمة عليّ وليسَ نِعمة .. فلقد أدركتُ مُبَكِراً أنهم يطعمونني ، ليس حُباً بي ولا عطْفاً عليّ ، بل من أجل تسميني لكي أكون جاهِزاً للذَبح . كَمْ كُنتُ أتمنى لو كُنتُ خروفاً تقليدياً مثل معظم خُرفان القطيع التي تتبع أوامِر الراعي وتوجيهاته ، وهي مُغّمِضة ومُبتَسِمة ، مَهْما كانتْ تلك الأوامِر غير مَنطِقية وتلك التوجيهات مُجحِفة ! . لكن ماالعمل وأنا خروفٌ مُفّكِر ؟ لا أدري هل أضحكُ أمْ أبكي من هذه المُفارَقة " .. طيلة عُمري خّوفوني من الذِئب الذي سوف يفترسني ، لكني مُتأكِدٌ أن سكين الراعي هو الذي سيذبحني في النهاية " .

ثُمَ كيفَ لا أشعرُ بالغُبنِ والظُلم ... صحيح ان البقرة أكبر مني حجماً وتوفر الحليب بكمياتٍ مُحتَرَمة .. لكنني أيضاً ، كُلّيَ خيرات وفوائِد ، فليسَ هنالكَ جزءٌ من بدني لا يستفاد منهُ البشر .. فلحمي هو الأطيب وكَبَدي هو الألَذ ، وجلدي هو الأحسَن وصوفي هو الأروع .. وأحشائي تُطبَخ منها الباجة .. بل أن خرائي سمادٌ عضوي ثمين .. وفوق كل ذلك ، فأن ملايين البشر يعبدون البَقر ، ولا أحد يعبدني ! .

التاجر يقرر بيعي ويذهب بي السوق راكبا لانه يخشى على من التعب والارهاق , ياسلام على الانسانية ، وهناك يبدأ المساومات وحلف الايمان والصلاة على النبي وهو الذي لم أره يصلي منذ فتحت عيني على الدنيا وحرمني من الرضاع من امي التي باعها بعد ميلادي بعشرة أيام. بعد ربع ساعة باعني التاجر فاقد الذمة الى رجل موسر من أهل الحكم وقبض المبلغ بالدولار فدسه في جيب البالطو الوسخ وقال مبروك . أخذني المالك الجديد راكبا ومعززا مكرما الى بيته وهناك استقبلني الاطفال من رأس الشارع زفوني وداعبوني و حاولوا اضحاكي وصوروني عدة صور للذكرى ولكنى لم ابتسم فكيف أفعل ذلك وأنا سأغادر الدنيا بعد يومين . كان المكان أكثر دفئا وأنسا فقد سمعت لاول مرة أخبار الجزيرة وأناشيد الاقصى وبكيت لما سمعت أغنية حزينة عن الغربة والاسر ولكني فوجئت عندما سمعت اغنية خاصة للخراف أمثالي .

قبل لحظات من موعد الذبح جاء أبو الحسن من صلاة العيد والسبحة في يده وبرفقته جزار محترف . ايقنت لحظتها ان ساعتي قد دنت . قرأت الفاتحة. ودعوت الله ان يخفف عنى سكرة الموت , سمعت كما الحلم زوجة صاحب البيت توصي زوجها بلهجة أمرة ان لايفرط بالكبد والكلاوي والفشة والمعلاق وحتى الكرشة وثلثي الضحية لانها ستخبئها في الثلاجة الكبيرة فاللحمة طار سعرها الى 50 شيكل للكيلو . كانت ضحكتي الاخيرة قبل أن أرفض بصمت الشرب من الجردل الاسود شربتي الاخيرة . وهنا أمسك بي الجزار وداعبني بيده الجافة قليلا وعيني على سكينه الفضي الحاد. بكى الطفل الصغير من جلال المنظر فأخذوه بعيدا . هتف الجزار العبوس :الله أكبر !! تجلدت وتقلصت فرائصي وأخذتني العزة فلم أصرخ بـ ماء .... ماء . كانت قرصة عميقة سرعان ماتحولت الى احتراق كبير واختناق في الرقبة فظيع سائل لزج يتدفق برودة سريعة تسرى ترتعش اطرافي أصعد في غيبوبة بيضاء , ارى امي في أبهى صورة وهي تمد يديها الي سعيدة مرحبة . أحسستني في صعودي الى السماء المسيح ويوسف واسماعيل معا , سعادة مابعدها سعادة أني أغادر ذلك العالم الضيق المتهالك الى فضاء الديمومة والصفاء .

مصدر

  • توفيق الحاج , خاروف و تخاريف .