الطرنش

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

الطرنش مصطلح مصري معرب من الكلمة الإنجليزية Trench بمعنى أخدود أو خندق , عبارة عن حفرة بعمق 3 متر تقريبًا، مغطاة عادة بهيكل غسالة صاج مُتآكل، موضوع عليه بعض الكراتين كشاهد القبر للإشارة لمكانه، حتى يعرفه المارة وراكبو السيارات فلا يخطون فوقه خوفا من وقوعهم فيه فيتجنبونه، يتم تجميع مخلفات التواليت سائلا كان ام صلبا في ذلك الخندق . إستعمل الرومان نفس الفكرة قبل ولادة المسيح ولكنها إنقرضت بعد إكتشاف شيئ إسمه شبكة الصرف الصحي . في البلدان النائية وغير المتحضرة حاليا رغم كونها مهدا للحضارات سابقا يتم استعمال الـ Trench بكثرة أمام الباب الرئيسي للبيت او الشقة او العمارة. ولك أن تتخيل كمية الروائح البشعة الكريهة اللي بتمليء الشارع لو لم يتم تفريغه دوريًا، سواء من منزلك أو من أي منزل مجاور .

دوريًا هنا بتعني حسب امتلائه، فليس له ميعاد متفق عليه بين سكان العمارة، فلو مثلا خالتي أم ماجد غسلت مرتين في الأسبوع و أم شيماء عندها ضيوف واستخدموا مياه كثير ، امتليء الطرنش في يومين فقط ، وفي الصيف مع الحر والعرق واستهلاك المياه الكثير ، نسبة الامتلاء بتكون اسرع بشكل ملحوظ ، وفي الفترة ما بين امتلاء الطرنش وتفريغه ، ممنوع على كافة السكان استخدام الحمام أو الحوض بأي شكل ، وإلا طفح الخرا في الشارع خارج حدود الصاج الموضوع على الطرنش او طفح في الشقق بأثر رجعي .

يتم استدعاء السيارة التي تقوم بتفريغ الطرنش دوريا ويتم تجميع مبلغ 1 - 5 جنيه عن كل شقة لتحصل السيارة على 10 - 50 جنيه مقابل التفريغ لمرّة واحدة، هذه السيارة عبارة عن عربة نقل عليها خزان اسطواني الشكل به مؤشر زجاجي يشير لامتلاء السيارة بمخلفات الطرنش ، وهي نفس السيارة المستخدمة في المحليات لسحب مياه الأمطار من الشوارع ، إسمها المستخدم بين الناس المحترمة سيارة الكسح ، وسكان الشعبيات يطلقون عليها إسم الشَفَاطة , النزّاحة ، أما نحن كأبناء العشوائيات نطلق عليها إسمها الحقيقي وهو "عربية الخرا".

العربية شغال عليها شخصين ، السواق وهو برنس في نفسه قاعد مكانه على الكرسي ممسك بعجلة القيادة ما بيتحركش ، وبجانبه واحد تاني بتكون مهمته انه ينزل يساعد السواق في توجيه السيارة اثناء رجوعها للخلف لتقف أمام الطرنش مباشرة ، ثم يقوم بسحب الخرطوم العملاق ليقوم بتوصيله وتثبيته بين العربة والطرنش لتبدأ عملية الشفط ، وبعدها يصعد إلى شقق العمارة ليجمع الأموال المستحقة ، كان هذا الشخص بلا مهارات ولا خبرات ولا أي ثقافة أو تعليم، فهي مهنة يدوية آلية عمل بها عم فتحي .

عم فتحي ، كان رجل بسيط بجلباب أزرق داكن اللون لم نره أبدًا يرتدي غيره في أي وقت ، ونتيجة عمله طوال اليوم في فك وتركيب خرطوم السيارة العملاق كانت تلتصق بجلابيته رائحة القاذورات طوال الوقت ، لتفوح على سلم العمارة أثناء صعوده وهبوطه لجمع الأموال . وكان عم فتحي أغلب الوقت يتعرض لمواقف محرجة من بعض الجيران الذين يعاملونه باعتباره شخص وضيع في مهنة وضيعة ، ويطلبون منه أن يقف أمام باب العمارة ثم يُنزِلون له السَبَتْ وبداخله الأموال المطلوبة حتى لا يصعد أمام شققهم، ولكن في منزلنا كان يصعد إلى الشقق ليجمع الأموال، وذات مرة حينما طرق بابنا ليأخذ الجنيه المطلوب ، ناديت أمي في عفوية طفل لا أحسد عليها "ماما... هاتي جنيه لفتحي بتاع الخرا"، وقتها صفعتني أمي على وجهي نظرًا لوقاحتي وقلة ذوقي وقالت لي "إسمه عم فتحي بس".

مع الوقت، رُزق عم فتحي بطفلة جميلة ، أطلق عليها إسم نجلاء تيمنًا بالفنانة الرقيقة الجميلة نجلاء فتحي ، ولكن للآسف، كبرت الفتاة وكبر معها وظيفة والدها ورائحته، وظلّ الأطفال في المدرسة، وفي الشارع، يقومون بمناداتها بإسم "بنت بتاع الخرا" ، وحتى بعد دخول شبكات الصرف الصحي لإمبابة، واختفاء مهنة سيارة الكسح مازال اللقب والاحتقار يطارد عم فتحي وإبنته .