الشبيح كلمة مقتبسة من الشبح , وقد درج الناس في سوريا على اطلاق كلمة الشبح على سيارة المرسيدس طراز 500 لسرعتها وقوتها , ولان ميليشيات النظام ومرتزقته , كانت تتبجح على عامة الناس بما لها من امتيازات وسلطات , وهي تجول وتجوب الشوارع والطرقات في قوافل من سيارات المرسيدس المعروفة بالشبح , تم وصف وتسمية تلك المجموعات من اعوان النظام بالشبيحة . ويقال ايضاً في تعريف كلمة الشبيحة واصلها ومصدرها , انها كلمة مقتبسة من شبح الموت , ابعده الله عنا وعنكم وعن الشعب السوري المسكين , والشبيح كالشبح , له ملامح فظة قاسية, وعضلاته مفتولة , ويحمل معه الموت والعذاب اينما حل ورحل , ويلبس الاسود , وسلاحه لا يخفيه, والقتل عنده امر عادي وتحصيل حاصل .

ليس مصطلح الشبيحة جديداً على السوريين . ففي سنة 1984 ، بعدما تمكن القائد التاريخي ، حافظ الأسد ، من القضاء على المؤامرة الاستعمارية الإمبريالية الرجعية التي مثلها تنظيم الإخوان المسلمين . وجد نفسه أمام مشكلةٍ من النوع العائلي ، إذ أتاه شقيقه الأصغر ، رفعت الأسد ، مطالباً بحصته من الدولة السورية التي ورثاها عن والدهما المرحوم ، إرثاً حلالاً ، مهدداً بشق الجيش العربي السوري إلى قسمين ، وتدمير مدينة دمشق عن بكرة أبيها ، إن هو لم يحصل على حصته الإرثية . وبحكمته المعهودة ، استوعب حافظ الأسد ثورة أخيه ، وأعطاه ، كما يقال في الأمثال ، حتى أرضاه ، ولكن فجأةً، خرج له شقيقه الآخر جميل ، مطالباً بأتعابه لقاء وقوفه إلى صفه ، ضد شقيقهما رفعت ، فأطلق يده على المرافئ البحرية السورية ، ليجبي خراجها جبايةً حلالاً ، وسمح له ، كذلك ، بابتكار فكرة الشبيحة.

كانت قافلة جميل الأسد تتألف من ست سيارات طراز مرسيدس شبح ومنها اشتقت تسمية الشبيحة ، نوافذها سوداء ، لا تسمح لمن في خارجها برؤية من في داخلها . كانت تنطلق ، في الصباح الباكر ، من مدينة القرداحة ، باتجاه مدينة حلب ، بسرعة فائقة ، سالكةً الطريق الجبلي المتعرج ، وفي حوالي الرابعة عصراً ، كانت تعود من حيث أتت ، وبالسرعة نفسها.

لم يكن أحد من أهالي المدن والبلدات والقرى المنتشرة على طول هذا الطريق ليعرف شيئاً عن حمولة هاتيك السيارات ، وكانوا يخمنون أنها تهرب الأسلحة والحشيش ، إضافة إلى السجائر الأجنبية . ومع مرور الزمن ، بدأ الشبيحة الموجودون في داخلها يتعرفون على الأهالي بطريقةٍ بالغة الطرافة والظرف ، فإذا ما سهَا أحد السائقين عن مرور القافلة ، ولم يلتجئ إلى أقصى اليمين ، مفسحاً لها المرورَ بسهولة ، سرعان ما تفتح السيارات زماميرها، وتشعل الأضواء الأمامية ، وتتقدم نحوه بطريقة مدربة تؤدي إلى تطويقه في ثلاث دقائق ، ووقتها ينزل عناصر السيارتين ، الأولى والسادسة ، المسلحون بالبواريد الروسية ، ويسحبون السائق المبهوت من وراء مقوده إلى الأسفل ، ويعجقون عليه بأرجلهم ، ثم يتركونه ، ويتابعون رحلتهم الهنية ، من دون أن يلتفتوا إلى الوراء . وفي أحيانٍ أخرى ، كان أحد الشبيحة يفتح زجاج النافذة ، ويبصق على رجال جالسين أمام أحد الدكاكين ، فيجاوبه شبيح آخر بفتح زجاج نافذةٍ أخرى ، وإفراغ مخزن من الرصاص في الهواء.

ومع مرور الزمن ، خرج مفهوم الشبيحة من نطاق قافلة جميل الأسد ، وأصبح كل من يقوم بأعمال السلب والنهب والاغتصاب ومخالفة الأنظمة والقوانين مستنداً إلى أحد المتنفذين في دائرة العائلة الحاكمة يسمى شبيحاً ، وأصبح هؤلاء يحلون المشكلات المستعصية في البلاد ، فمن يتعرض لاحتيالٍ من أحد أبناء بلده يبرم صفقة مع شبيح ما، يحصِل له المبلغ ويأخذ نصفه ! ومن كانت له قضية عالقة في دائرة عدلية ، أو حكومية ، يبرم صفقة مع أحد الشبيحة لتخليصها.

حاول النظام ، في أول الثورة ، تحسين صورة الشبيحة ، فأطلق عليهم اسم الجيش الوطني . ولكن الشعب السوري لم يتآلف مع هذه التسمية ، وبقي يسميهم الشبيحة وأحياناً : قطعان الشبيحة . والتسمية الأخيرة ، في الحقيقة ، أكثر دقةً وإصابةً من سابقتها. في سياق التعريف بالشبيحة , لا بد من التذكير بالتطور الحاصل في مفهوم الشبيحة , فمع انطلاق الثورة السورية , لم تعد كلمة الشبيحة كسابق عهدها, لم تعد مقتصرة على عناصر موالية للنظام السوري من طائفة معينة , بل اصبحت تطلق على كل مدني مدفوع الاجر او مدني متطوع , مدرب على اطلاق الرصاص في الرأس وبدم بارد , ولا يتوانى عن ارتكاب كل انواع التعذيب والاهانة والقتل والسحل دون وازع او تأنيب للضمير , وربما التعريف الاكثر بلاغة لمصطلح الشبيحة هو الشعار الذي يردده الشبيح نفسه:

يابشار لا تهتم نحن رجالك نشرب دم.

حصل تطور اخر في مفهوم الشبيحة, فمهمات الشبيح لم تعد مقتصرة على القتل والارهاب وتصفية خصوم الشبيح الاول , بل اصبحت تشمل رجال دين, ورجال فن , ورجال اعمال , ورجال اعلام , والخدمات التشبيحة اصبحت اوسع واشمل واكثر انتشاراً وتنوعاً, ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

وغيرها من انواع التشبيح , الكل يشبح في مجاله , تحت رعاية الشبيح الاول , والجميع من دون استثناء , كل العاملين في مجال التشبيح هم من انصاف الرجال , والشبيحة كل الشبيحة سيختفون وعلى وجه السرعة في اول سيارة مرسيدس شبح , وكالشبح لن يبقى لهم اثر في سورية ولا في حياتنا, في القريب العاجل مع طلوع الشمس وحلول الربيع .