أستاذ عسّاف

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

أستاذ عسّاف صحفي من سوريا تعلَّم خلال خدمته بصفة صحفي متمرن، ثم صحفي عامل، كل ما يلزم للإنسان حتى تثق به القيادة، وتعيينه مديراً عاماً لإحدى المؤسسات الإعلامية الكبرى. لا يكفي، بالطبع، أن يكون رفيقاً بعثياً ملتزماً، مسدّداً اشتراكاتِه الماليةَ الشهرية في مواعيدها، بل يجب أن يكون محسوباً، بشكل علني، على أحد القادة الكبار في الدولة، أو في العائلة الحاكمة، وأن يكون متعاملاً، بشكل سرّي، مع جهة أمنية رفيعة المستوى، وأن تتبنّاه تلك الجهة، وترشّحه للمنصب، هذا عدا ما يلزم للمدير من شؤون البريستيج: اللباس، ربطات العنق، تدخين السيجار الكوبي، التأخر على الدوام والاجتماعات، التعالي على الموظفين، التحدّث من زاوية فمه، الكذب، اللؤم، الحقارة.. إلخ.

وكما يحصل في الحكايات الشعبية التي تقول إن ابن الحكاية يكبر، وابن الحكاية يصير، كبر ابنُ الحكاية عسّاف، وعُيِّنَ مديراً عاماً للصحيفة «جيم». كانت تلك الصحيفة، يومئذ، في أسوأ حالاتها، تعاني من التسيب، والتضخّم، والفوضى، والمحسوبيات، وغياب الصحفيين عن عملهم من دون إذن، وقلة التزامهم بحجم العمل المطلوب، وإن التزموا فهم يقدّمون موادَّ لا تصلح للقراءة، ولا حتى للتصفّح، والصحيفة التي تصدر في المحصلة لا تباع منها سوى النسخ التي تُرْسَل إلى المشتركين عبر المؤسسة العامة لتوزيع المطبوعات، والمشتركون هم مؤسساتُ الدولة التي تشترك في الصحف الرسمية رغماً عنها، بتوجيهٍ من الرفيق وزير الإعلام. وقد رُويت لنا نكتة عن ربة منزل طلبت من زوجها أن يُحضر لها مقدارَ كيلو غرام واحد من الجرائد العتيقة، لأجل مسح البلور، فقال لها: أنا تحت أمر عيونك حبيبتي.. قالت: يسلموا عيونك حبيبي، ولكن انتبه ألا تكون الصحيفة «جيم» بينها، فهي، كما أخبرتني سلفتي أم نجوان، تُجَلْغِم البلور (تلوثه) بدلاً من أن تنظفه وتجلوه!.

في أول اجتماعٍ عُقد بين أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي والقيادات الإعلامية العليا، ألقى الرفيق عسّاف خطبة عصماء، تحدث فيها عن القيادة الحكيمة للقائد المؤسس الخالد، ثم القيادة الفتية للقائد الدكتور بشار الأسد راعي العلم والإعلام والعلوم والمعلوماتية والتطوير والتحديث والسوشيال ميديا في القطر العربي السوري الصامد. ثم انتقل من التعميم إلى التخصيص، فبرّأ نفسه من الوضع المتردّي للصحيفة «جيم» التي أصبح هو مديرها العام، بعدما نال ثقة القيادات الحكيمة، ووجّه أصابع الاهتمام إلى مراكز القوى التي تتحكم بالمفاصل الرئيسية في الصحيفة، وأسهب في الحديث عن اللامبالاة والتسيّب والإهمال التي يتصف بها المحررون والإداريون. وفي الختام، طلب الرفيق عسّاف من القيادتين، البعثية والإعلامية، إعطاءَه فرصةً لا تزيد عن تسعين يوماً، يجهز خلالها المقترحات اللازمة التي من شأنها أن تحول هذه الصحيفة المتهالكة إلى صحيفةٍ يستحيل أن يعثرَ المرءُ على شبيهةٍ لها حتى في سويسرا.

صفق الرفاق الحاضرون للرفيق عسّاف حتى تهرّأت أيديهم، ووافقوا، بالطبع، على إعطائه الفرصة التي طلبها، إذ هل يعقل أن يرفضوا طلباً لرجلٍ يريد أن تكون صحيفته منسجمةً مع التوجهات الإصلاحية للرفيق القائد بشار الأسد، راعي العلم والإعلام والتحديث والتطوير؟ وتقول الحكاية، في خاتمتها، إن الرفيق عسّاف، سلم للقيادةَ العليا مجموعةً من القرارات التي تقضي بإقالة المديرين الذين يمثلون مراكز القوى الرئيسية في الصحيفة «جيم»، وتعيين صحفيين شباب مكانهم. وفي اليوم نفسه، تَسَلَّمَ عسّاف قراراً يقضي بإقالته، وإعادة المدير العام السابق إلى رأس عمله.

h