موسى (بالعبرية: משה) جدع مصري قام اليهود بسرقة شخصيته . أول ما يوجه الانتباه إلى الأصل المصري لموسى هو اسمه. فالاسم " م و س"، على ما لاحظ عالم المصريات المعروف ج . هـ. بريستد، يعني "طفل"، وهو اختصار لاسم مركبٍ يحتوي في أحد شطريه على اسم إلهي مثل: رع - موس ، تحوت - موس ، أح - موس . أي طفل رع أو طفل تحوت.. الخ . ومع تداول الاسم يجري إسقاط الشطر الأول منه ويبقى الشطر الثاني: موس أو موسى. أما التبرير الوارد على لسان الأميرة المصرية لإطلاقها الاسم موسى على الطفل عندما قالت: "لأنني انتشلته من الماء"، فغير صحيحٍ تبعاً للأصول الاشتقاقية في اللغة العبرية . يُضاف إلى ذلك أنه من غير المفترض أن تكون هذه الأميرة على دراية باللغة العبرية حتى تطلق على الطفل اسماً ذا طبيعة اشتقاقية على هذه الدرجة من التركيب . وفي الحقيقة ، فإن قصة موسى العبراني ما كان لها أن تنسجم مع النمط العام لميلاد البطل الملحمي ، وبالتالي تمارس تأثيرها المطلوب ، إذا لم تبتكر مثل هذا الأصل النبيل لبطلها المجهول النسب . ولكن ماذا إذا كان موسى مصرياً فعلاً ؟ .

في سلسلة قصص موسى هنالك عدد من العناصر التي تقف إلى جانب نظرية أصله المصري . فعادة الختان التي فرضها على العبرانيين هي في الأصل عادة مصرية . وبها ميز المصريون أنفسهم عن الأجانب ، ثم صارت فيما بعد ميزةً لليهود على غيرهم . والعلة التي كان يشكو منها موسى وهي قلة الفصاحة وثقل اللسان، يمكن أن تُعزى إلى عيب خلقي في النطق مثل التأتأة والفأفأة وما إليها ، ولكنها يمكن أن تعزى أيضاً إلى غرابة لغة موسى المصرية عن لغة العبرانيين، وما ينجم عن ذلك من صعوبة التواصل بين الطرفين . وفي الإصحاحات الأولى من سفر الخروج يبدو لنا موسى في شخصية الساحر أكثر منه في شخصية النبي . فهو يحمل بيده عصا سحرية ربما كانت على هيئة حية ، أو على شكل عصا يتخذ مقبضها رأس حية . وقد حوّل هذه العصا إلى حية تسعى أمام أنظار الفرعون، وكان يستخدمها لاجتراح المعجزات، وبها شق مياه البحر لعبور بني إسرائيل ثم أعاد المياه ثانيةً فأغرق جيش المصريين، وبها ضرب الصخرة الصماء فانبجس منها نبع غزير. وقد كان السحر عنصراً هاماً في ديانة مصر القديمة التي احتوت على أكثر المفاهيم الروحانية سمواً وعلى أكثر أشكال السحر تطرفاً، حتى أنه كان باستطاعة الكاهن الساحر أن يجبر الآلهة نفسها على تقديم العون للإنسان من خلال نطقه بكلمات القوة. ويبدو أن شق المياه بالقوى السحرية لم يكن وقفاً على موسى ، فلدينا قصة مدونة على بردية تعود إلى نحو 1550 ق.م. تحكي عن قيام كاتب الملك سنفرو، وهو كاهن متمرس بفنون السحر، بشق مياه البحيرة أمام الملك ثم إعادته كما كان.

في القصة التالية من سلسلة قصص موسى، يتحول البطل المصري إلى مجرد راعي غنم ويتزوج من صفورة ابنة كاهن مدين الغامض . وفيما يلي ذلك فإن ستاراً من النسيان يُسدل على أنه كان في يوم من الأيام أميراً مصرياً ، لاسيما لدى عودته إلى مصر لتحرير بني إسرائيل ودخوله على الفرعون وما تلا من المصائب العشر التي حلت بمصر والتي انتهت بالخروج. ولا أدلّ على غموض شخصيّة كاهن مدين ، وبالتالي على غموض موسى المدياني، من تضارب الأخبار التوراتية بخصوصه. ففي ظهوره الأول نجد أن اسمه رعوئيل: " فلما جئن رعوئيل أباهن قال لهن.. الخ." (الخروج 2: 18). وبعد ذلك بقيل يتحول اسمه إلى يثرون: "وكان موسى يرعى غنم حميه يثرون. فساق الغنم إلى ما وراء البرية.." (الخروج 3: 1). وفي سفر العدد يظهر لكاهن مديان ابن اسمه حوباب: "وقال موسى لحوباب ابن رعوئيل المدياني حمي موسى.. الخ." (العدد 10: 19). وفي سفر القضاة يطلق المحرر الاسم حوباب على كاهن مدين لا على ابنه ويصفه بالقيني لا بالمدياني: "وكان جابر القيني من بني حوباب حمي موسى قد انفرد عن القينيين.. الخ." (القضاة4 : 11) وأيضاً: "وصعد بنو القيني حمي موسى من مدينة النخل مع بني يهوذا إلى برية يهوذا وسكنوا مع الشعب." (القصاة1 : 16).

إن شخصية موسى المصري هي الشخصية الرئيسية التي تراكبت فوقها الشخصيتين الأخريتين . فهو من أسرة نبيلة مقربة من البلاط الملكي، إن لم يكن فعلاً من أفراد النسل الملكي. انتسب إلى صفوف الجيش منذ حداثته وارتقى إلى أعلى الرتب. وقد حققت له انتصاراته العسكرية المجد والشهرة وجعلته مقرباً من الفرعون. هذا الوضع المميز جعله عُرضةً لمؤامرةٍ داخل البلاط أوغرت عليه قلب الفرعون، فهرب من وجهه والتجأ إلى مساكن العبرانيين الذين كانوا يستعدون لمغادرة مصر ثم خرج معهم كواحدٍ منهم. ونظراً لثقافته الرفيعة وخلفيته العسكرية، فقد أوكلوا إليه أمر قيادتهم خلال رحلتهم.

تقوم سلسلة قصص موسى (في سفر الخروج وما يكمله في أسفار اللاويين والعدد والتثنية) على عدد من العناصر الشائعة في أدب الشعوب والمتعلقة بميلاد المؤسس الأول والسلف الذي تنتمي إليه الأمة، أو أحد الأبطال البارزين فيها. وبشكل خاص فإن الرضيع الذي يوضع في سلة ثم يترك في الماء للعناية الإلهية لكي تتكفل به، كان موضوعاً للعديد من القصص التي تحكي عن أصل هذا البطل المميز. فإما يكون الطفل من أصل عامي ثم تتعهده أسرة نبيلة أو ملكية بالتنشئة ويغدو واحداً من أفرادها، أو يكون من أصل ملكي ثم تتعده أسرة متواضعة حتى يكبر ويتعرف على أصله الملكي ويعود للمطالبة بحقوقه ومكانته السابقة. وقد يُستبدل عنصر الإلقاء في الماء داخل سلة بترك الوليد في غابة أو برية حيث تقوم غزالة أو ذئبه بإرضاعه. ويتنوع الدافع إلى التخلص من الطفل الرضيع في هذه القصص؛ فهو إما مؤامرة داخل القصر الملكي من أجل انتهاك حقوق ولاية العهد، أو غيرة الزوجة الأولى من ولادة الزوجة الثانية، أو نبوءة عن قيام المولود الجديد في المستقبل بقتل الأب والاستيلاء على العرش.

أقدم من ارتبطت أسمائهم بقصة الإلقاء في الماء هو صارغون الأكادي (نحو 2300 ق.م) الملك الذي وحد لأول مرة بلاد الرافدين تحت سلطة سياسيةٍ مركزية. وقد ترك لنا هذا العاهل نصاً يتحدث فيه عن أصله المتواضع فيقول: "أنا صارغون الملك العظيم، ملك أكاد. أمي كانت عذراء معبدٍ ولم أعرف لي أباً. أخوالي أحبوا مساكنهم في المناطق الجبلية. ومدينتي اسمها أوزوبيرانو على ضفة الفرات. أمي حبلت بي سراً، ثم أودعتني في سلة من القصب ختمتها بالزفت وأنزلتني إلى الماء الذي لم يغمرني. حملني الماء وساقني إلى البستاني آكي فانتشلني عندما كان ينضح الماء بسطله، وأخذني إليه كابن له ورباني وجعلني بستانياً في أرضه. وبينما كنت أعمل في البستان منحتني الإلهة عشتار حبها فصرت ملكاً لمدة أربع و... سنة .