برتقالي

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

اللون البرتقالي هو لون أصحاب الديانة البوذية , و المنتخب الهولندي لكرة القدم , و المعتقلين في غوانتانامو ومعظم السجون في أمريكا الشمالية , و الكفار الذين تذبحهم داعش امام الكاميرات ليتم عرضها لاحقا في الجزيرة , وكانت سابقا لون عمال النظافة في شوارع عمان عاصمة الأردن قبل قيام داعش بحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة حيا . تستحق عقدة اللون البرتقالي التي طاردت الأردنيين ، منذ إعدام الكساسبة أكثر من وقفة وتدل على فوبيا من طراز خاص أرّقت مسؤولي الدولة وقضت مضاجعهم ، بما يبرهن أن لعنة داعش لم تقتصر على جرم إحراق الطيار ، بل امتدت لتطال الزي الرسمي لعمال النظافة الذين شاء سوء طالعهم أن تكون ثياب عملهم باللون البرتقالي الذي كان يرتديه الكساسبة لحظة إعدامه.

منذ تلك اللحظة ، تسللت عقدة هذا اللون إلى غرف نوم أصحاب القرار في أمانة عمان ، بوصفهم مسؤولين عن عمال النظافة ، وراحوا يربطون في أذهانهم بين زيين رسميين متطابقين شكلاً ومتنافرين مضموناً. يمثل الأول لون النار التي التهمت جسد الطيار ، والثاني يمثل لون دبيب الحياة لعمال ينتشرون منذ الفجر في الشوارع والأحياء ، للحفاظ على نظافة العاصمة . في المحصلة وبعد اجتماعات مضنية ، واستشارات فنية مع خبراء ومختصين تفتقت أذهان مسؤولي أمانة عمان عن قرار فصيح باستبدال الزي البرتقالي لعمال الوطن بآخر تركوازي ، وتنفسوا الصعداء ظناً منهم أنهم تحرروا من لعنة داعش ، وراحوا يروجون اللون الجديد وكأنهم ابتكروا لوحة موناليزا للقرن الحادي والعشرين.

غير أن السؤال المطروح هنا: لماذا اختار المسؤولون الأردنيون وأد الضحية ، لا الجلاد ؟ , الزي الرسمي لداعش بصفته جلاداً وقاتلاً وعدواً هو الأسود وليس البرتقالي ، وكان حرياً والحال هذه أن يطارد المسؤولون اللون الأسود في شوارعهم ، ويمحوه من ذاكرة شعبهم ، لكونه من ارتكب الفعل الشنيع بحق طيارهم . وفي المقابل كان عليهم أن يمجّدوا اللون البرتقالي الذي يرمز إلى استشهاد معاذ ، ليذكرهم دوماً بضرورة الثأر لدمه من قاتله ، على غرار ما كان يفعله أجدادنا ، حين كانوا يحتفظون بقطعة من ثياب الضحية المضرجة بالدم في خزائنهم حافزاً دائماً على الثأر.

والحال أن عقدة وأد الضحية غدت سمة عربية بامتياز ، لا تقتصر على الأردن فقط ، فالعرب باتوا محمومين بهاجس غسل أدمغتهم من كل ما يذكرهم بنكساتهم وهزائمهم وضحاياهم. لم يعد العرب مفتونين بالثأر بل بتمجيد القاتل وفي المقدمة إسرائيل التي تُكافأ على جرائمها بمزيد من التودد العربي لها ، وبعقد صفقات استراتيجية معها على غرار اتفاقيات الغاز والقناة التي ستصل بين البحرين الميت والأحمر ، ولإسرائيل كل الأعذار إذا دمرت غزة ، وإذا اغتالت قاضياً أردنياً على جسر العودة ، لأنه عاد ليدبر ثمن علاج طفله في المستشفى ، ولا أحد هنا يفتش عن لون القاتل ليثأر منه .

أما القاتل الأكبر ، ممثلاً بأميركا وغيرها فمن حقه أن يزورنا بأي زيٍ يشاء من ثياب المارينز التركوازي ليقصف ويدمر ويحتل به ، إلى اللون الأسود ليفتتح شركات عابرة للدماء والعرق والنهب والسلب . أما الضحايا المجندلون في كل تلك الكوارث فيطاردون بزيهم وأرواحهم ، لمحوهم تماماً من الذاكرة العربية المفتونة بالجلاد فقط ، وإن حدث أن احتفظت الذاكرة أياماً بلون ضحية فسرعان ما تتسلل الفوبيا إلى أذهان الساسة العرب ، فتقض مضاجعهم وتتحول إلى كوابيس تطاردهم ليل نهار ، فيستنفرون خبراءهم ومستشاريهم، بحثاً عن وسيلة الطمس الملائمة لمحو الضحية وآلامها وعذاباتها من أذهان شعوبهم .

وأما السؤال المشروع هنا: ماذا لو فكرت داعش ، من قبيل النكاية بتغيير زي ضحاياها إلى اللون التركوازي مثلاً ؟ هل سنضطر حينها إلى الانخراط ثانية في عقدة اللون الجديد والسعي إلى استبداله ، وهل سنصل إلى مرحلة انعدام اللون في حياتنا العربية تماماً ؟ أم أن الأجدى بنا أن نعلن منذ الآن إصابتنا بعمى الألوان ، كما أصبنا سابقاً بعمى الحرية والديمقراطية والقطرية والطائفية. بانتظار الإجابة عن هذا السؤال ، أهمس في آذان أصحاب قراراتنا: ضحايانا يموتون بكل الألوان يا سادة، فكفوا عن هذا الهراء .