صحراء
الصحراء وفقاً لطرح أصحاب العمامات السود من الشيعة والعلمانيين والشيوعيين و الملحدين و الكفار , هي الشر والدمار والتخلف . باتت نكتة ونغمة ممجوجة ، تلك المحاولة البائسة لطرح نوعيات مختلفة من الإسلام ، وكأن الدين ليس أكثر من منتج ، تتباين جودته من مكان إلى مكان ، فيصبح هناك الإسلام الصحراوي السعودي في مواجهة الإسلام الزراعي الانقلابي الإيراني ، يثيرون هذه المسألة على اعتبار أن لفظ الصحراء يستدعي على الفور قيم التخلف والرجعية والجمود والكساد ، بينما واديهم الذي يهيمون فيه هو التقدم والتحضّر والحركة والازدهار .
حسناً، دعونا نتوقف عند مسألة صحراوية الإسلام ، ولنسأل: أليست الصحراء صانعة الفكر والشعر والأدب ؟ أليس معلم الإسلام ونورها محمد ، ابناً لهذه الصحراء ؟ ألم تكن هذه الصحراء نقطة انطلاق أنبياء الله ورسله إلى البشر ، معلمين ومصلحين ، ومخرجي الناس من الظلمات إلى النور ؟ ألم تكن هذه الصحراء مرتكزا لمن وصلوا بالإسلام، ، إلى ملك كسرى وقيصر ، وأفاضوا على الدنيا جزية من الصين إلى الأندلس ؟
يردد البعض طوال الوقت ، أن الله خلق الثقافة والحضارة ، حصرياً في بيئات زراعية ، بينما الصحراء لا تنتج شعراً أو فناً أو ثقافة . فليعد هؤلاء الظرفاء إلى تاريخ الأدب العربي ، شعراً ونثراً ، على مر العصور ، سيكتشفون، أن البادية كانت مصنع الفكر ومنبت الإلهام والإبداع ، ومصنع الشخصية المجربة ، المحاولة، المغامرة، من امرئ القيس وعروة بن الورد وعنترة بن شداد في الأزمنة القديمة ، إلى عبدالرحمن منيف ، ابن الصحراء ، صاحب واحدة من علامات الرواية العربية الحديثة , مدن الملح ، ثم أجيال من المبدعين والمبدعات العرب ، من نبت الصحراء، يقدمون منتجاً إبداعياً، وفكرياً، يتجاوز تلك السفسطة العقيمة التي تجري على ألسنة وأقلام ، باتت مثيرة للأسى والشفقة.
غير أن المسألة لدى البعض تتجاوز الصحراء ، بوصفها صحراء ، إلى مكايدة السعودية ، وملاطفة طهران ودمشق وقاهرة الانقلاب ، سياسيا، فتنطلق الجوقة، بإيقاع موحد، تستخدم المفردات والنغمات نفسها، في الهجوم على سير عمليات عاصفة الحزم في اليمن، وتوقف إمدادات عاصفة الرز إلى مصر ، حتى يخال لمن يستمع إلى حسن نصر الله من بيروت ، وابراهيم عيسى من القاهرة ، أن السيناريست واحد، والمخرج أيضا، الألفاظ نفسها، والأداء الصوتي والحركي بعينه ، من دون تغيير، أو خروج عن النص.
غير أن المدهش في الحالة المصرية أن الخطاب يتغير ويتبدل ، حسب ارتفاع منسوب الرز الخليجي وانخفاضه، ففي أوقات كانت الأمور فيها تمضي على النحو المشبع للمعدة الانقلابية الجائعة، كنت تجد الخطاب مهذباً ، ودوداً وهو يتحدث عن السعودية الجديدة العصرية التقدمية القومية ، حتى إن قطاعاً من الناصريين المحترفين وصل ، في تملقه العاهل السعودي ، أن كاد يلبسه قميص جمال عبدالناصر، ويبايعه خليفة للقومية العربية.
أما الآن ، ومع ظهور التباينات في المواقف ، خصوصا ما يتعلق بالمسألة السورية ، والمهزلة المصرية ، عادت مجددا فقرات سيرك الإسلام الصحراوي والإسلام الزراعي ، والإسلام البحيري ، وصعد على الخشبة مشخّصاتية يقدمون فقرات في مسرح السيسي ، أحدثها ذلك الاسكيتش الخاص بمبادرة مصرية انقلابية للمصالحة بين السعودية وإيران . والمقصود في النهاية توجيه رسالة من القاهرة إلى من يهمه الأمر، مفادها نحن على مسافة واحدة من الطرفين ، وبعبارة أخرى نحن في منتصف الطريق بين الرز الصحراوي والرز الزراعي.