وطن

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
مراجعة 17:13، 29 مارس 2018 بواسطة imported>هيلا هوب
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

الوطن طفل مبتسر لا ينمو ولا يتحرك ولا يغادر أبدا المرحلة الحرجة الدقيقة الحساسة .أن ما تشبه الدولة تغرق ما يشبه الوطن بما يشبه الوهم، لكي يسهل عليها اختطاف ما يشبه الشعب . لا تبتئس، سيخرج عليك من يقول إن هذه المرحلة الدقيقة في عمر الوطن تستدعي تحمل الآلام، حتى يخرج الوطن من عنق الزجاجة. كم مرة سمعت هذه العبارة أو قرأتها، منذ وعيت على الدنيا "هذه المرحلة الدقيقة من عمر الوطن"؟ كل أوطان العالم تمر بمرحلة دقيقة، ثم تعبرها وتنمو وتنطلق، لتعوض أبناءها عن وجع المرحلة، إلا بلدان وطننا العربي، منذ وجدت على الأرض، وهي لا تفعل شيئاً سوى البقاء داخل "المرحلة الدقيقة من عمرها"، وتطلب من رعاياها/ عبيدها التحمل والتضحية والانتظار، كي لا يختنق الوطن، ولا يموت في عنق زجاجة المرحلة الدقيقة.

حقك مجهض، حلمك ضائع، مستقبلك مؤجل، أمنك مهدد، حريتك مهدرة، آدميتك مهانة، لأن الوطن في أزمة عبور المرحلة الدقيقة، فلتبتسم راضياً وهم يقتلونك، ولتهتف بحياة حكيم الوطن، بينما فلذة كبدك تعذب داخل السجون، أو تغتصب، وتردد النشيد "نموت ويحيا الوطن"، وعلى طريقة فرويد في عقدة أوديب: الإله الأب، والإب الإله، فكذلك يكون الوطن الحاكم، والحاكم الوطن، فليحيا الوطن، وإن كان تابعا وذليلاً وتافهاً ودموياً وظالماً وقاتلاً وبليداً.

أكثر من يتحدث عن "المرحلة الدقيقة في عمر الوطن" هم الطغاة الفاشلون العجزة. لذا، ليس مفاجئا أن يكون نظام السيسي في مصر، وبشار الأسد في سورية، الأكثر استخداما لها. فحين يعترض الناس على قانون الخدمة المدنية، يكون الرد "دعونا نتحمل المرحلة الدقيقة من عمر الوطن"، وحين يطالب الناس بإقالة وزير تعليم على خلفية تزوير نتائج أبناء الغلابة لصالح أبناء الإقطاع الانقلابي، ويتردد أن الوزير استقال، يخرج متحدث باسم يقول "لا تلتفتوا للشائعات في هذه المرحلة الدقيقة من عمر الوطن".

ثلاثون عاما استمتع بها حسني مبارك بحكم مصر، ببلادته وفشله وتبعيته وفساده واستبداده، مختبئاً خلف اللافتة السحرية "المرحلة الدقيقة من عمر الوطن"، فلينحبس الوطن داخل حالة الطوارئ والقوانين الاستثنائية سيئة السمعة، وليمر مشروع التوريث، وليخرس الجميع، حتى يستطيع الزعيم الملهم العبور بالوطن مرحلته الدقيقة. أكثر من خمسة آلاف قتيل، وستين ألف سجين ومعتقل ومطارد، ضحى بهم عبد الفتاح السيسي، بحجة تلك المرحلة الدقيقة/ اللعينة في عمر الوطن، تفويض بالقتل والقمع وإعلان الحرب على التاريخ والجغرافيا والهوية، وقوانين طوارئ وإرهاب ومنع التظاهر ومصادرة البيوت والشركات والسطو على الممتلكات والمدخرات والمؤسسات، والتهام حرية التنقل والسفر والكلام والتنفس، ووضع الوطن كله في جيب سترة الجنرال، لكي يعبر به، ويمر من عنق الزجاجة.

يشيخ الحكام على عرش الوطن، ويورثونه الأبناء، ويظل الوطن طفلاً مبتسراً لا ينمو ولا يتحرك ولا يغادر أبدا المرحلة الحرجة الدقيقة الحساسة، وحدها أوطاننا التي لا تغادر مرحلة الطفولة، منذ جلوس الزعيم على كرسي الحكم وحتى سقوطه، ومقابل هذه اللحظة المجنونة (الدقيقة بتعبيرهم)، والتي لا تمر أبدا، يقتل الناس بالآلاف، أكثر من مليوني قتيل وجريح ثمنا لتلك اللحظة الدقيقة الممتدة في سورية، منذ العام 2011، منهم أكثر من مائتي ألف شهيد، حسب إحصائية للمرصد السوري لحقوق الإنسان، ناهيك عن مليوني لاجئ إلى تركيا وحدها، وعشرات الآلاف الذين يطرقون أبواب أوروبا. استخدم هذه الأرقام إذا أردت أن تعرف عمر الوطن، في سورية ومصر، الوطن الذي لا ينمو ولا يكبر، بل يبقى مستمتعاً بلحظة طفولته الدقيقة، مطالبا الجميع بالتضحية والصمت، كي يحاول عبورها.