كوينتن تارانتينو (بالإنجليزية:Quentin Tarantino) (مواليد 1963) طويل القامة ، ضخم الجثة ، فكه السفلي أكبر من العلوي ، منحسر الشعر ، عريض الرأس ، سريع الكلام ، متحمس دائماً، يحرك يديه باستمرار أثناء كلامه ، يزيد حماساً في النقاشات الفنية فيصطبغ وجهه بحمرة النقاش ، وتنفر عروق جانب رأسه . هو ذلك الكاتب والمخرج الذي يظهر على الشاشة، بل يصنع القصة خلف الكاميرا، و يهوى الظهور في أفلامه، يشعر أنه جعل العمل متكاملا ومارس جوانبه كلها بظهوره ممثلاً ، فهو الذي يبدأ بورقة بيضاء يكتب فيها القصة، ثم يعيد الكتابة ، ينمق في الحوار، يصمم المشاهد، حركات الكاميرا وسكناتها، موسيقى المشاهد، وينتهي به الأمر ممثلاً أمام الكاميرا التي يقودها هو بنفسه ليصنع عملا متكاملا.

تتميز حكايات تارانتينو بالتشابك الشديد ، وتأثير الشخصيات الثانوية على مسار الأحداث بشكل كبير، بل ظهور أكثر من بطل في نفس القصة حتى إنك لا تكاد تعرف أي هذه الأشخاص هو الذي يبدأ حكايته والباقي يؤثر عليها، وهذا يبدو كالحياة، فكل شخوص تارنتينو لهم حكايات خلفية عميقة، يعرضها تارانتينو غالبا في بداية فصوله . تارانتينو يعرض حكاياته في صورة فصول كفصول القصة والرواية لها عنوان ، في بداية تلك الفصول تظهر غالبا حكايات خلفية بطريقة مميزة حيث تتداخل الأحداث من خلال الفصول، فكل فصل يعتبر وحدة منفصلة، ولا يحدث خلال الفصل الواحد قطع على حكاية مختلفة تماما، بل يكتفي في حكاية الفصل بتوضيح كل جوانب الفصل وما لها من تأثير على بقية الحكاية، فلا يوجد Flashback وإنما سرد الحكاية بشكل غير خطي أصلاً، لا على مستوى خط الزمن ولا الأحداث.

لأن تارانتينو يكسر العديد من القواعد ، فإنه يستخدم الحوارات الطويلة Dialogue في مشاهده وهو أمر غير محبب لصناع الأفلام لأن السينما هي فن الصورة وليس الحوار، لكنه يضرب بكل ذلك عرض الحائط، ويعرض حوارات طويلة، تحتوي على صراعات كثيرة أغلبها تافه وساخر ، ولكنها لا نعرف كيف تؤدي إلى مسار الأحداث الذي يريده ، حتى أن فصولاً بأكملها لتارانتينو هي مجرد مشهد أو مشهدين بنفس أوضاع الكاميرا وليس فيها سوى حوار .

تزخر أفلام تارانتينو بألوان ساخنة مشبعة إلى درجة كبيرة، يغلب عليها الأصفر والأحمر، منذ بداية الفيلم، المقدمة، وهو أمر يهتم به تارانتينو كثيرا على عكس الكثير من صناع أفلام هوليوود فهو يعرض في مقدمة فيلمه طاقم العمل بأكمله بخطوط عريضة صفراء أو حمراء،ولا شك أن اللون الأصفر بالذات له مكانة خاصة في قلب تارانتينو، وموسيقاه التي تبدأ أيضا بالمقدمة أغلبها موسيقى كلاسيكية قديمة عمل عليها تارانتينو بنفسه ليطورها ويعيد توزيعها.

ليس من الغريب أيضا أن مخرجاً على قدر جنون تارانتينو يرغب دوماً في إبراز نوع من الطعام بل ويفتعل حواراً في فيلمه في لحظات هامة عن الطعام أو الطبخ أو الأكل نفسه. في Pulp Fiction كان الهامبرجر هو سيد الموقف ، مقارنة بين أسماء أنواع البرجر بالانجليزية والفرنسية أثناء ذهاب البطلين لقتل رجل، وحالما وصلوا للرجل المطلوب وجدوه يأكل البرجر، فأكل أحدهم معه . في kill Bill يتحول هاتوري هانزو صانع سيوف الساموراي الياباني بعد توبته إلى صاحب مطعم ، وطباخ يجهز بنفسه طبق مميز للبطلة التي جاءت لتقنعه أن يصنع لها سيفاً . في Inglourious Basterds تجلس البطلة مع الرجل الذي قتل عائلتها في مطعم، وأثناء حوار جاد جداً يخبرها ألا تتعجل وتأكل كعكتها دون الكريم . في Django unchained يجلس العبد المتنكر على مائدة واحدة مع مستعبِد زوجته وتأتي زوجته وتقدم له الطعام، في مشهد طويل يزيد عن ال15 دقيقة على نفس مائدة الطعام الأميريكية القديمة .

الهوس

كما أن تارانتينو مهووساً بالظهور في أفلامه ولو في مشاهد لن ينتبه لها أحد، فهو أيضاً مهووس ببيئة فيلمه وقصصه. في Kill Bill قام تارانتينو بعرض حكاية الفتاة زعيمة المافيا اليابانية من خلال رسوم Anime .ذهب تارانتينو إلى ستوديو أنيمي ياباني شهير وعرض عليهم الفكرة ، فوافقوا على ذلك الجنون ، لكن تارنتينو فضّل أن يتم تمثيل المشاهد بممثلين حقيقين أمام فناني الأنيمي وبالفعل قام بذلك وتم انتاج المقطع بالكامل برسوم ثنائية الأبعاد، ويقول مدير ذلك الستوديو أن أصعب ما في الأمر كان مشاهد اندفاع الدم التي تطلبت مجهودا مضاعفاً لتتم بتقنية الأنيمي .

الهوس بالدم من أكثر ما يميز تارانتينو، تمتليء مشاهده بالدماء الصارخة، بداية من Pulp Fiction ومرورا ب kill Bill الذي ضم كميات كبيرة من نافورات الدم، وصولاً إلى Inglourious Basterds و Django، إلا أن الأخير ضم هوساً جديداً وهو التصوير القديم، والحركات الكلاسيكية للكاميرا وحتى الخدع، حيث نرى ضغطة الزناد تطيح بالمصاب أمتارا بعيدة.

لعل الهوس الأكبر لتارانتينو هو الهوس بالأقدام . لا تخلو أفلامه من أقدام عارية تحوّل مسار القصة، أو مشاهد عميقة للأقدام العارية .Pulp Fiction يقرر الرجل ذو النفوذ الأقوى أن يقتل رجلاً آخر لأنه قام بتدليك قدم زوجته ، ويدور هنا حوار مميز بين الأبطال حول تدليك القدم، وهل هو أمر عادي ؟ أم أنه تعدٍ على الشرف . Kill Bill تقوم البطلة من غيبوبة دامت لسنوات ، وجسدها متيبس لا تستطيع تحريكه لكنها تخوض حواراً مع أصابع قدمها الإصبع الأكبر تحديداً لتقنعه بأن يتحرك، ويظل مشهد طويل لا تظهر سوى قدم البطلة العارية تحاول إقناعها أن تتحرك . Inglourious Basterds يكتشف ضابط المخابرات النازي أن ممثلة ما ساعدت في التخطيط لتفجير حفل يحضره هتلر، من خلال الحذاء الذي نسيته في مكان ما، فيختلي بها ويأمرها أن تخلع حذاءها ويمسك قدمها ويلبسها الحذاء الذي عثر عليه فيجده نفس مقاسها بالضبط، فيقتلها .

يخبرنا تارانتينو مراراً في المؤتمرات والمهرجانات أن المكان الذي يمكن فيه أن يتعلم الشخص صناعة الأفلام، هو صناعة الأفلام نفسها ، وليست الأكاديميات ولا التعليم التقليدي، يخبرنا أن الكاميرا هي المعلم الأفضل، وليست المدراس العريقة، بإمكان المدارس والأكاديميات أن تخرج جيلا من صناع الأفلام المثقفين، ذوي المعلومات، لكنها لا تخرج صناع أفلام بمواهب نافذة وأساليب شخصية مميزة، مثل تارانتينو.