جوناثان سويفت

من بيضيبيديا، الموسوعة الفارغة
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

جوناثان سويفت (1667-1745) أديب إيرلندي اشتهر بمؤلفاته الساخرة المنتقدة لعيوب المجتمع البريطاني في أيامه والسلطة الإنكليزية في إيرلندا. اشتهر في الثقافة العالمية بوصفه مؤلفاً لرواية رحلات غليفر التي عشقها الأطفال رغم أنها لم تكتب لهم أصلاً . ويُعده الكثيرون بمثابة سيد كتابة الهجاء والتهكم في الثقافة الأنجلوسكسونية، وأحد رواد الكتابة الشعبية في العصور الحديثة.

كانت نصوصه وبالذات كتابه اقتراح متواضع لمنع أطفال الفقراء من أن يكونوا عبئاً على أهلهم أو بلادهم وليكونوا مفيدين للمجتمع ، 1729 ، الذي اقترح فيه على السلطات الإنجليزية المهيمنة تشجيع الآيرلنديين أكلَ أولادهم لمواجهة المجاعة الطاحنة التي ضربتهم حينها , وأعمال أخرى أيضاً قد قُرأت في آيرلندا وكأنها منجز وطني شجاع لآيرلندي مستغرق في مواجهة السياسات الاقتصادية الإنجليزية الظالمة ضد وطنه الأم. وهكذا تحول الرجل دون سعي منه إلى رمز قومي آيرلندي ، حتى أن بعض المصادر تقول إن رئيس الوزراء البريطاني صرف النظر عن فكرة اعتقاله بعد نصيحة صديق مطلع بأن الأمر يمكن أن يكلف حياة عشرة آلاف جندي إنجليزي إذا حاولت السلطات القبض عليه من دبلن.

هذه البدايات الملتبسة لم تساعد سويفت كثيراً في بناء سيرة مستقرة ؛ إذ تسربت إليه التناقضات من كل حدب وصوب . فهو كتب مبكراً في إدانة السياسيين ونفاقهم ورداءتهم ، لكنه ما لبث , لكسب العيش وأحلام الصعود , أن التحق بأعلى مستويات السلطة موظفاً في مكتب رئيس وزراء بريطاني من قلب التيار المحافظ. وبينما كان تكوينه وشهرته في قلب الحياة السياسية الإنجليزية، إلا أنه تحول إلى رمز وبطل قومي آيرلندي، وحين كانت نصوصه لاذعة تستميتُ دفاعاً عن الفقراء في بلاده فإنها تتضمن ما يشبه كفراً بالطبيعة البشرية برمتها،

وعلى الرغم من خدمته في سلك الكهنوت الرسمي فقد كتب منتقداً المؤسسة الدينية، وكأن كل تلك التناقضات البنيوية في حياة سويفت لم تكن كافية ، فبينما كان حضوره الاجتماعي خلاباً ، لكنه لم يتورع يوماً عن هجو أصدقائه وإهانتهم لأتفه الأسباب ، وبينما كانت صحته معتلة معظم الأحايين فإنه لم يتوقف عن ارتياد المسارح والمقاهي ، وكره الحياة اليومية في دبلن وعشق لندن إلا أنه قضى بقية حياته في آيرلندا بعد أن تبخرت أحلامه للصعود الاجتماعي في مجتمع العاصمة البريطانية. وينقل كاتبو سيرته عن معارفه أن تحليه باللطف الشديد لم يردعه عن شن هجوماتٍ مقذعة على الخدم المساكين عند أقل هفوة، وحتى مظهره الشخصي الغليظ البنية كان يُخفي عناية لا نهائية بنظافته وهندامه .

لا يُذكر سويفت إلا متلاصقاً معه جليفر ورحلاته المشهورة (1726)، وهي رواية فلسفية عن رحلات أربع قام بها طبيب إنجليزي بارد الأعصاب إلى أقصى أرجاء الأرض ، مرتحلاً بين مجتمعاتٍ شديدة التناقض والاختلاف ، موغلاُ في نقدٍ شديدٍ لبنية المجتمع البريطاني حينها. وحتى في هذه الرواية التي قُصد منها أن تكون أداة نقد فلسفي وتغييرٍ اجتماعي انتهت على غير قصده متحولة إلى قصة شديدة الشعبية للأطفال ينزلقون فيها في لعبة التعاطف وقبول الاختلاف، ووضعته في مكانة لم يتوقعها في حياته ككاتب الأطفال الكلاسيكي البريطاني الأول.

جليفر ، بطل الرواية ، طبيب عاش حياتين متناقضتين ، فقد ألقته الأمواج بعد أن تحطمت سفينته، مرة في بلاد الأقزام، حيث متوسط طول الفرد خمسة عشر سنتمترا، ومرة أخرى ألقته الأمواج في بلاد العمالقة، فجرب أن يكون عملاقا، وقزما في وقتٍ واحد . في الرواية نص ساخر رائع، لم يُشر إليه مدرسونا في المدرسة ، لأننا لم نكن وقتها نعاني من مرض الأحزاب , والنص وصفة طبية ساخرة ، لإشفاء رجال الأحزاب السياسيين من داء الحزبية أو مرض التحزُّب , فهو يقول:

لإشفاء رجال الأحزاب من مرض الحزبية ، علينا جمع 100 من كل حزب ، ويُصفُون في أزواج متقابلين ، وتُقاس رؤوسهم ، ثم يُوضع المتشابهون في حجم الرؤوس ، كلُ زوجٍ على حدة . يُستعان بجراح ماهر ، يقوم بشق رأس كل زوج من الحزبين المتناقضين ، بنشر الجمجمة ، ثم يجري تبادل أنصاف أقسام المخ بين الأحزاب ، فيوضع نصف كل مخٍ على رأس المنافس الحزبي ، وهذا يتطلب دقة فائقة من الجراح ، غير أن الشفاءَ مضمونٌ من داء الحزبية ، والنتيجة ، قاسم مشترك من التفاهم المعقول بين الطرفين

ويضيف في قولٍ ساخر آخر: إن رجال الأحزاب يعتقدون بأنهم أُرسلوا إلى البشرية لمراقبة العالم ، والتحكم فيه . ويقترح جونثان سويفت ، في مناسبة أخرى ، لكشف المتآمرين ، وذلك بتحليل برازهم ، لأن الناس لا يكونون مفكرين وجادين، إلا حين يتبرزون .بعد مرور أربعة قرون على رواية الكاتب ، فإن جملته تلخص معظم أفكار الأحزاب في عالم اليوم فرجال الأحزاب يظنون ، أنهم أرسلوا للبشرية هداة مبشرين، لذا فإنهم يتصرفون وكأنهم مالكو زمام الكون .