الوزير الجديد هو شخص يُحضر إلى مقر الوزارة ، في اليوم الأول لاستلام منصبه ومعه أربعة أو أكثر من حراسه الجدد ، طبعا ، من أبنائه وعشيرته وأنصاره ، في جولة هجومية أكثر منها جولة استلام وتسليم . ثم يقوم الفريق بعملية تمشيط داخل الوزارة ليستطلعوا بقايا نفوذ الوزير السابق ، ويُجهز طاقم الوزير الجديد ومستشاروه ملفاتهم الجديدة ، إما بطرد المنافسين ، أو بنقلهم إلى مكان آخر ، وإن لم يجدوا مبررا ، فإنهم يتركون الباقين ، ويُجلسونهم على نوافذ الوزارة ، يشربون الشاي والقهوة ، ويُفطرون إفطارا جماعيا كل يوم ، مع ختم ملفاتهم الوظيفية بالشمع الأحمر ، وعدم تلبية مستحقاتهم الوظيفية ، حتى بمرور سنوات من استحقاقها.

يغير الوزير الجديد ليس طاقم مكتبه ، وسكرتاريته فقط ، ولكن ديكورات المكتب ، أو المكتب كله ، حتى يتخلص من كل أثر للوزير السابق ، بغض النظر عن الموازنة المرصودة. عندما يشعر الوزير المعزول بقرب نهايته ، وأفول عصره ، فإنه يحمل ملفات الوزارة الرئيسة ، وخططها ، ومكاتباتها ، وأنشطتها في سيارته الخاصة ، قبل انتهاء فترة ولايته بأيامٍ قليلة ، وغالبا ما يتم ذلك بعد غروب الشمس وانصراف الموظفين ، إلى مدفنها الأزلي في إحدى غرف قصره العامر ، لتظل طُعما سائغا للرطوبة والعفونة والأرضة ، ليس لهدف الاستفادة منها ، بل لحجبها عن الوزير الجديد ، حتى لا يستفيد منها ويُكمل مسيرته ، مع العلم بأن ملفات الوزارة ، وتقارير وتوقيعات ومكاتبات الوزير ، ملفات رسمية حكومية ، تملكها الدولة ، وليس الوزير، حتى وإن كانت في أدراج مكتبه .

ينشغل الوزير الجديد ، سنة أو أكثر بالبحث عن متابعات الملفات والأنشطة ، حتى يبدأ العمل والنشاط ، ويتركز نشاطه في الغالب الأعم في تعيين مقربيه ، بدءا من أبنائه وأحفاده وعشيرته ، وانتهاء بأنصاره ، ومنسوبي حزبه ، ثم أصدقائه المخلصين ، وتتضخم حقيبته الخاصة بالأوراق الوظيفية ، ويصبح عمله الرئيس ، إيفاد مختصين إلى شؤون الموظفين لإنجاز معاملات أقاربه ، وتصبح وظيفة الوزارة ثانوية بالقياس إلى مهماته الرئيسة السابقة .

يشرع الوزير السابق , المعزول , في نسج الحكايات ، في مجلسه الخاص ، بعد أن يستعيد أصدقاءه الذين أهملهم ، عندما كان وزيرا ، فيسرد عليهم قصص بطولاته ونزاهته عندما كان في الوزارة ، ويترك للمستمعين الفرصة للاستنتاج بأن عصره ، كان عصر الشفافية والأمانة والنزاهة والصرامة والإنجاز ، أما خليفته الراهن فهو مرتزق وفاسد ، وقليلُ الخبرة .

يفتح حزب الوزير الحالي ، أو تنظيمه السياسي ملفا جديدا بعنوان: الوظائف والترقيات الجديدة التي نفذها الوزير الجديد لمنتسبي حزبه وحركته وتياره السياسي ، ويشرع في رصد الحالات التي قصَّر الوزير في إنجازها في مجال التعيين والترقية لأبناء الحزب ، وليس في تنفيذ مبادئ وأفكار الحزب ، ويبدأ الصراع بين الوزير من جهة ، وبين المسؤول الأول في الحزب من جهة أخرى ، وفي الغالب ، يصل مسؤول الحزب إلى قناعةٍ مفادها:

كنا مخطئين في ترشيحه لتولي الوزارة، فهو لم ينفع الحزب

أما ملف الوطن وخدمته فهو ملف ثانوي ، عند الوزير المعزول، وعند الوزير الجديد ، ذي الحزب القوي العتيد .