صندوق النقد الدولي

مراجعة 11:54، 24 أبريل 2018 بواسطة imported>Mafia mafia (أنشأ الصفحة ب'صندوق النقد الدولي عبارة عن أبضاي يداخل الملاهي الليلية وصالات القُمار، يتجسد دوره الأكبر، ...')

صندوق النقد الدولي عبارة عن أبضاي يداخل الملاهي الليلية وصالات القُمار، يتجسد دوره الأكبر، ويكاد يكون الأوحد، في إقراض أولئك المفلسين الخاسرين من أمواله، مقابل حصوله على ضماناتٍ منهم، يمليلها عليهم، يضع شروطه، ويطالب بوعود مُوثَّقة، ويفرض قيودًا مشروطةً، وغيرها من الامتيازات التي يحصل عليها إلى جانب أمواله في وقتٍ لاحق، في الوقت الذي يكون فيه الشخص المفلس ذو الحال الضيق مستعدًا للتضحية بأي شيء، والموافقة على أي شروطٍ تُملى عليه، في سبيل حصوله على القرض الذي سيُمكِّنه من جديد من استعادة زمام الأمور .

تصر الحكومات العربية التي انصاعت لمطالب وسياسات صندوق النقد الدولي مقابل الحصول على قروض مشروطة على أن مطالب الصندوق التي تصفها بـالإصلاحية من شأنها تحقيق نمو اقتصادي، وذلك عبر زيادة الاستثمار، وخلق فرص عمل، إلا أن المؤشرات المحققة على أرض الواقع في العديد من الدول، وعلى رأسها مصر وتونس والأردن والمغرب وغيرها، تظهر أن الفقراء هم من يدفعون فاتورة إملاءات صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي؛ حيث يزداد الغلاء، والفقر، وديون الدول التي تمتد تداعياتها إلى الأجيال المقبلة.

وبالرغم من ذلك استمرت تداعيات القروض التي يقرضها صندوق النقد الدولي إلى الدول العربية المختلفة. ربما فهمت الشعوب العربية مقصد الصندوق الحقيقي بدايةً من الانتفاضات في مصر عام 1977 وحتى لحظتنا هذه، إلا أن الحكومات العربية ما زالت تنصاع لما يُقره الصندوق من مطالب؛ يعتبر أبرزها رفع الأسعار، ووقف الدعم الحكومي على السلع الأساسية، وفرض المزيد من الضرائب والرسوم، في مقابل مبلغ من الدولارات يعاني بسببه الملايين من مواطني الشعوب العربية لسنوات، فضلًا عن وجود إملاءات أخرى قد لا تتعلق بالسياسات الاقتصادية فحسب، وإنما تمتد إلى كافة مناحي الحياة الاجتماعية.

مع خروج العالم من الحرب العالمية الثانية التي راح ضحيتها عشرات الملايين، اجتمع ممثلون لـ 44 دولة في بريتون وودز وخرجوا بوجوب وجود نظام لاعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وخرجوا من المؤتمر باتفاقية بريتون وودز في عام 1944 في غابات بريتون في ولاية نيوهامشاير بالولايات المتحدة وتحت مسمى “مؤتمر النقد الدولي” اتفق ممثلو الدول على تثبيت سعر الدولار بسعر 35 دولارًا مقابل أونصة واحدة من الذهب. كما خرجوا بتوصيات بإنشاء مؤسستين تحكمان العلاقات الاقتصادية الدولية، لكلٍ منهما مهام محددة وإن كانت تلتقي بشكلٍ عام في مهام واحدة.تقديم المشورة لأعضاءه بشأن سياساتها الاقتصادية. و تقديم قروض للدول الأعضاء، يشمل إقراض الدول مراقبتها في طريقة تدوير هذه القروض. برنامج صندوق النقد الدولي يترك البلد في بعض الأحيانْ فقيرًا كما كانَ من قبل ، لكن مع مديونية أكبر وصفوة حاكمة أكثر ثراءً”

يحصل الصندوق على أمواله من البلدان الأعضاء. وتبعًا لحجم الحصص يتحدد عدد الأصوات المخصصة لكل بلد عضو وحدود الاقتراض الذي يوفره له الصندوق. وكلما ازداد حجم اقتصاد العضو من حيث الناتج وازداد اتساع تجارته وتنوعها، ازدادت بالمثل حصته في الصندوق. والولايات المتحدة الأمريكية، أكبر اقتصاد في العالم، تسهم بالنصيب الأكبر في صندوق النقد الدولي حيث تبلغ حصتها 17.6% من إجمالي الحصص.

ليس للصندوق خبرة كافية في التعامل مع المشكلات المختلفة للدول الأعضاء، حيث يعطي نفس التوصيات والنصائح لكل الدول، مما لا يعطي أية مساحات لوضع الاختلاف بين الدول موضع اعتبار. بمقتضي عرف أو اتفاق ضمني، يكون دائمًا رئيس صندوق النقد الدولي أوروبيًا، ورئيس البنك الدولي أمريكيًا. ويتم اختيارهم وراء أبواب مغلقة بل ولا يشترط لتولي الرئاسة أن يكون للمرشح أية تجربة في الدول النامية ! إن هذه المؤسسات لا تمثل الأمم التي تخدمها .

النقد الموجهة لصندوق النقد الدولي، هو دوره في التسبب في ارتفاع الديون بين البلدان النامية. وبالرغم من أن القروض تهدف إلى مساعدة البلدان، كما يقول البنك على نفسه، إلا أنها تتسبب أيضًا في تحمل تلك البلدان للديون التي يجب عليها أن تدفع فوائدها وأن تظل في شرك البنك. وعلى مدار السنوات الماضية تراكمت هذه الديون بشكل كبير لدرجة أن العديد من البلدان أصبحت تنفق أكثر على خدمة التزامات ديونها أكثر من الإنفاق على الخدمات الاجتماعية الأساسية، وهو ما يتعارض مع الهدف الرئيسي الذي يدعيه البنك وهو الحد من الفقر، حتى إن بعض الاقتصاديين يشبهون ذلك الهدف الذي يدعيه البنك بأنه مجرد «ساتر دخاني» والهدف الحقيقي له هو استخدام القروض المشروطة في مقابل اتخاذ البلدان سياسات نيوليبرالية تفيد في النهاية الشركات والمؤسسات المالية الغربية.

صندوق النقد الدولي هو وكيل أغنى البلدان على وجه الأرض، وخاصة أمريكا، وتتمثل مهمته في تقديم القروض للدول الفقيرة، ولكن في حالة ما إذا قامت بخصخصة اقتصادها والسماح للشركات الغربية بحرية الوصول لأسواقها ومواردها الخام. فوفقًا للعديد من الأبحاث التي أجراها الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين وغيرهم من المنظمات الإعلامية، فإن السدود ومحطات الطاقة وبرامج المساعدة الفنية وغيرها من المشاريع التي يمولها البنك الدولي؛ قد دفعت ما يقدر نحو 3.4 مليون شخص من منازلهم أو خارج أراضيهم أو تم تهديد مصادر رزقهم.

ففي نيجيريا، على سبيل المثال، قامت سلطات الولاية بطرد الأشخاص الذين يعيشون في منطقة البادية الشرقية دون إنذار أو تعويض، وهي حي فقير في مدينة لاغوس التي تعد أكبر مدينة في البلاد. كما يدعي الآلاف من الكينيين أنهم اضطروا للخروج من منازلهم في غابات أسلافهم بسبب برنامج مساعدة فنية وحفظ يرعاه البنك الدولي.

ما أن تسقط إحدى الدول النامية في شِراك العجز الماليّ، حتّى يُحضّر مسؤولو صندوق النقد الدوليّ حقيبة السفر التي غالبًا ما تحوي الأوراق والوثائق نفسها، ربما سيتغيّر اسم الدولة وبعض الأرقام فقط، لكن حلول الصندوق من أجل علاج هذه الأزمة الماليّة وقائمة الشروط والإملاءات تبقى واحدة، سواء أكان سبب أزمة هو كوارث طبيعيّة أو انخفاضًا في أسعار النفط أو فسادًا للطبقة الحاكمة؛ الثابت هو أن الملايين من المواطنين هم من سيدفعون ثمن هذه القروض التي ستأخذها الحكومة وفوائدها، بالإضافة إلى الاجراءات المعروفة التي قد تتسبّب في بطالة – وحتى مجاعة – قطاعات كبيرة من مواطني تلك الدولة.

يعلّق المفكّر الأمريكي نعوم تشومسكي منتقدًا هذه السياسة فيقول إذا أخذت الأرجنتين قروضًا بمعدّلات فائدة مرتفعة، فسيأتي صندوق النقد ويجبر العمّال والفلاحين الأرجنتينيين على سداد القروض من خلال سياسة «التكييف الهيكلي». عندما يأخذ سوهارتو – الرئيس الإندونيسي السابق – قروضًا خياليّة، وينتهي به المطاف باعتباره أغنى رجل في إندونيسيا أو حتى العالم، لماذا على المزارعين البسطاء دفع قروض سوهارتو نيابة عنه؟ هم لم يأخذوا القروض، ولم يستفيدوا منها بل أُرغموا على ذلك، ورغم ذلك فإنّ صندوق النقد يتأكد من أنّ أموال المقرضين ستعود إليهم بأي وسيلة.

ما أن تلجأ أيّ دولة لأخذ قرض من صندوق النقد الدوليّ فإنّ الصندوق يبدأ في تشغيل الأسطوانة نفسها، وتلاوة القائمة المتكرّرة من الشروط والطلبات: إصلاحات هيكليّة في الاقتصاد تتضمّن بيع الشركات المملوكة للدولة، وتقليص الموظّفين في القطاع العمومي وتقليص رواتبهم، وفتح الأسواق للاستثمارات الأجنبيّة بلا شروط، وتشجيع الاستيراد وتقليص الدعم الحكوميّ للفئات الفقيرة، والتخلّي عن حماية العمّال والفلاحين وإضعاف النقابات. ويوضح "بيركنز" أنه "على الدول التي توافق على شروط صندوق النقد أن تقبل مجموعة مفاهيم جديدة: تحرير التجارة، حقوق المستهلك، الخصخصة الكاملة للصحة والتعليم والمياه والكهرباء".

وهناك تجارب لثلاثة دول وافقت على شروط قرض "النقد الدولي" فانتهت التجربة من انهيار اقتصادي إلى انهيار تام، قد تكون أحد أسباب هذه الاتهامات لصندوق النقد الدولي.. ولكن كيف؟ مع بداية الثمانينيات، اقترضت البرازيل مليارات جديدة لسداد القروض القديمة، ثروة بلاد السامبا بالكامل عبرت الحدود إلى دول تدّعي أنها صديقة على شكل أقساط، فقد سدّدت في أربع سنوات، بدءًا من 1985، 148 مليار دولار، أكثر من نصفها "فوائد قروض أجنبية".

استسلمت البرازيل لحلول "النقد الدولي" لأزماتها الاقتصادية، فسرّحت ملايين العمال، وخفضت أجور الآخرين لعلاج التضخم المالي، وألغت التغذية المدرسية للطلاب، وسمحت لدول أخرى بالتدخل في سيادتها مقابل المبالغ المدفوعة كقروض، حتى أن مندوبي البنك الدولي فرضوا موادًا على الدستور البرازيلي أشعلت "احتجاجات أهلية". مع التسعينيات، سدّدت البرازيل "القروض" بالكامل، إلا أنّها لم تنجُ من "الآثار الجانبية".

ظلّ 20% من البرازيليين يمتلكون 80% من أصول الممتلكات، وفقًا لإحصاءات، و1% فقط يحصلون على نصف الدخل القومي، فما جرى على يد الصندوق الدولي هو إعادة تقسيم للثروة من جديد، وهبط ملايين أسفل خط الفقر، حيث إنّ نصف الشعب أصبح يتقاضى أقل من 80 دولارًا شهريًا. ولأن تسرب الأموال إلى جيوب فئة قليلة من الشعب يدفع الدول إلى الانسحاق التام للديون، حصلت البرازيل على قروض جديدة من الصندوق بقيمة خمسة مليارات دولار، وظل البلد في "حالة سداد".

قبل دخول الاتحاد الأوروبي، كانت اليونان "الأضعف" اقتصاديًا بين دول القارة العجوز. لا استثمارات، ولا شركات، ولا سيولة مالية. مع دخول اليونان "اليورو" كان على الجميع أن يقدم خدماته لإنقاذ "أثينا" من الكابوس المالي، فدفعت أوامر عليا منظمات التمويل الأجنبي لإقراض الحكومة اليونانية بكثافة. أدت خطط التقشف في اليونان إلى ارتفاع أسعار البترول، فتضاعفت أسعار جميع السلع وانخفض الوضع المعيشي للسكان ووصلت نسبة البطالة إلى 27%

عاشت فترة "رفاهية" إلا أنّ وقت الحساب كان قاسيًا. عام 2009، اكتشفت "أثينا" أن عليها أن تسدد دينها، ونسبة فوائد على الدين، تكسر ظهر اقتصادها، واستمرّت في الارتفاع حتى تدخل صندوق النقد الدولي ووضع شروطه وخطط التقشف، التي تسحق الفقراء، مقابل استمرار الدعم، وهو ما لم تتحمَّله اليونان، إذ ارتفعت نسبة الديون إلى 175% عام 2015.

أدت خطة التقشف إلى ارتفاع أسعار البترول، فتضاعفت أسعار جميع السلع، وانخفض الوضع المعيشي للعمال والفلاحين والفئات الوسطى ووصلت نسبة البطالة إلى 27%، واندلعت احتجاجات، وخرجت مظاهرات، اعتراضًا على ذلك الوضع في معظم أنحاء البلاد، ووقع المواطن الرافض لتلك السياسة في مواجهات مع الشرطة، ووقعت "إضرابات" وصلت إلى العصيان المدني في الهيئات الحكومية ضد "التقشف". ورغم كل ذلك، أعلن صندوق النقد الدولي عجز اليونان عن سداد الديون، خاصة أنها فشلت في دفع مليار ونصف مليار يورو مستحقة عليها، وهو ما يبشِّر بخروجها من "منطقة اليورو".

فشل صندوق النقد الدولي في إجبار "مجموعة اليورو" على تقليل دعم المنتجات الزراعية التي تصدرها للعالم بأسعار منخفضة، لكنه أقنع غانا بإزالة التعريفة الجمركية على وارداتها الغذائية مقابل منحها القرض فغرق السوق بالسلع والمنتجات الأوروبية، ما أدّى إلى تضرر المزارعين، لأن أسعار الواردات أقلّ من نصف السعر المحلي، و"المنتج المحلي" خسر، وأدّى إلى خسارة العملة الصعبة، وعدم توفرها، وهبوط العملة المحلية، التي واجهت تضخمًا اقتصاديًا، فأصبحت "منعدمة القيمة"، وهو ما أدى إلى انهيار الاقتصاد الغاني تمامًا، ولا يزال يعاني آثار قرض صندوق النقد الدولي حتى الآن.