الفرق بين المراجعتين لصفحة: «ابن بطوطة»

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أُضيف 23 بايت ،  قبل 4 سنوات
لا يوجد ملخص تحرير
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر 4:
من أعجب ما رأيت عند أهلي من البصرة إلى طنجة في طريق عودتي ، والذي لم أكن ألحظه قبل رحلتي ، ما يقبله الناس سرا و[[اللعنة|يلعنونه]] في العلن من مثل : أنهم جميعا ، وبالأخص عوامهم ، يلعنون ال[[فساد]] والمفسدين لكنهم إذا خلوا إلى أنفسهم دعوا [[الله]] مخلصين أن يطيل في عمر الفاسدين وأن يديم نعمة الفساد عسى أن تدور الأيام وتكون لهم حصة منه. ومن عجيب النفس [[العربية]] أنه إذا قام أحد المتهمين بالقرب من أولي الأمر أو حاشيتهم بالاتصال سرا أو الجلوس علنا مع أي جهة من أعداء الأمة ، أوسعوه [[الشتيمة|شتما]] وتخوينا ، لكنهم إذا حانت لحظة [[انتخابات]] أعادوا انتخابه لأنه حسب زعمهم الأقرب للحكومة والأقدر على خطف حصة لهم من كعكة ال[[فساد]] المتأصلة. أما إذا قام بنفس الفعل أحد أصحاب [[لحية|اللحى]] ، أو كما يسمونهم الأيدي المتوضأة ، [[السكوت|فالصمت]] سيد الموقف . وإذا ناقش أحد ذلك مع العوام فهذا هو [[كافر|الكفر]] عينه ولا شيء سواه . وكأن لسان حالهم يقول لا بأس بالتطبيع المقدس ، لكن ما عداه فهو الدنس لا غير .
 
ومن ثم عبرنا البحر نحو [[مصر]] وقبلها [[السودان]] لكن الشعب كان نايم وتعبان ، وبعد أن مررنا بالجيزة لقينا على [[الأرض]] بريزة فصعدنا فوقها ووصلنا العريش ومنها إلى [[فلسطين|البلاد المحتلة]] من قبل خوات الهبلة ، وقبل الشروق وعبر زقاق البيوت وصلنا إلى بيروت إذ الكبة النية والصبايا الشلبية ، وبعد أن صلينا الظهر في جماعة برفقة أبو ولاعة قصدنا الغوطة وكانت حينئذ تقصف من أبناء [[شيعة|الرافضة]] المفضوحة ومما سمعت وشاهدت كذلك ، تأمين المصلين يوم الجمعة لدعاء [[رجال الدين|الإمام]] للحكام وبطانتهم بطول العمر وسداد الرأي . لكنهم إذا غادروا [[المسجد|مسجدهم]] اتهموا إمامهم بالنفاق وشتموا [[الأم|أمه]] أو أخته بأقذع ما يمكن من الكلمات . وإذا حضروا اجتماعا عاما أو احتفالا هتفوا [[القائد العربي المحنك|للقائد الملهم]] وكادوا أن يسجدوا له. ويبطشون في لحظة الانفعال تلك بكل من تسول له نفسه المساس [[حفظه الله ورعاه|بألوهية أو قداسة القائد الرمز]] ، ويعزون ما يتعرضون له من نهب وبطش إلى البطانة الفاسدة التي ينخدع بها القائد كل مرة يعيد تعيين أحد أولئك البطانة في منصب عام ، جريا على التساؤل الشعبي[[الشعب]]ي السائد وهو طويل العمر يدري ؟ لو كان يدري كان [[خازوق|خوزقهم]] . لكني لم أرَ من المُخَوزَقين سوى ضعاف الناس وأولئك المطالبين بالإصلاح والعدل .
 
بعد تعب وخوف وعلى أنغام جورجٍ وسوف عبرنا الحدود وسلَّمنا على الجنود وعبرنا في أمان وصولاً إلى مقصدنا [[عمان]] بلاد الحب والحنان ، ولما وطأت أقدامنا بلاد ما وراء الفوسفات توقفت كل شعرة من شعر صدري وكأني لم أكن أعرف وأدري اجلالاً وتقديراً لما رأيته من جور ومطبات وحفريات ليست كالحفريات ، فلم أرى في مسيرتي كلها وأنا الرحالة [[العالم|العالمي]] شوارع مكسرة وزفتة منقطة وجوّر مقعّرة ، فسألت أهل المدينة عن السبب فأجابوا بالعجب ، إذ أن هناك إمام ذو عمامة يرأس مبنى يدعى الأمانة بدت على سنحته الجهامة وعلى خططه ألف استفهام وعلامة ، فصاح بي: علامه ! ما الذي تهذري به يا سلامة ! فقلت له على رسلك يا أمامه يا ذو [[تقطيب الحاجبين|الوجه الجميل والابتسامة]] فبدأت أُطرب أُذنيه وأرقص أمامه على ألحان راغب علامة ، وبعد أن هدأت [[عصب|أعصابه]] وأزاح أزلامه، قلت له عاصمتكم جميلة ، وأهلها نشامى، أهل العزة وال[[كرامة]] ، لكن شوارعكم خطيرة تلمؤها [[ويكيبيديا|القمامة]] والحفريات المقامة ليل نهار دون أن تتبع شروط السلامة. فقلت له جئتك من بلاد بعيدة أهلها [[سعادة|سعيدة]] إلا أن خبركم لي وصل فخذني يا رفيق السلامة الى ما يسر النظر ويرجع [[ضحك|الإبتسامة]] ، كي انسى مناظر حفرياتك المقامة. خذني إلى [[كنترول الحافلات بالاردن|الباص السريع]] الذي إذا ركبته بلا قافية أصبحت مستريح لا أعرق ولا أشقى ويوصلني مشواري بالسرعة القصوى.
 
وأعجب ما رأيت ، ولم أره عند غير [[العرب]] ، هو دعائهم بخراب الديار وتشتيت الشمل وجفاف الضرع وحرق الزرع لمن هو مخالف لهم . والمخالفة قد تكون في [[الدين]] أو في المذهب لأهل الدين الواحد . وقد تكون المخالفة في نوع اللباس أو [[خميعة|الطعام]] الذي يلبسه أو يأكله أولئك المخالفون. ورغم ذلك تراهم يهرعون زرافات ووحدانا [[اللجوء السياسي|يطلبون إذن دخول]] لبلاد أولئك المخالفين للعيش معهم والعمل لديهم . فإذا وصلوا تلك البلاد واستقامت لهم الأمور وصموا أهل تلك البلاد [[كافر|بالكفر]] والانحلال وغير ذلك من قبيح العبارة. وهم من أكثر الخلق حديثا عن [[الأخلاق]] ولا يفعلون ما يطابق حديثهم. فعند سادتهم "أعذب الشعر أكذبه"، وعند عوامهم "الكذب ملح الرجال". وهم يبيحون لأبنائهم ومن هم عزيزين عليهم فعل كل ما يحلوا لهم سرا ، ويعيبون على غيرهم إن كُشِف أمرهم . والحلال ما حلَّ في أيديهم والحرام ما طار إلى أيدي غيرهم. والأخلاق للتَّزيُّن لا للعمل . فسبحان الذي له الدوام وله الأمر من قبل ومن بعد.
==مصدر==
* سامي السلوادي
383

تعديل

الكوكيز تساعدنا على تقديم خدماتنا. باستخدام خدماتنا، فأنت توافق على استخدام الكوكيز.

قائمة التصفح