الفرق بين المراجعتين لصفحة: «حرية»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر 2:
'''الحرية''' هو [[الإسم]] الذي إختاره [[المواطن]] [[العرب]]ي ( ....... ) لمخبزه , نتفهم ذلك الدافع الغامض الذي ورّط صديقنا بإطلاق هذا المسمى على مخبزه ، بعد أن خبزت [[السجن|السجون]] ثلاثة أرباع عمره ، فأورثته إحساسًا عميقًا بفقد الحرية ، ولربما رأى في هذا [[الاسم]] عزاء ذاتيًا عن حريةٍ أخفق في تحقيقها طوال [[أزمة منتصف العمر|سنوات مكابداته]] في طلبها ، لكن جزاءه كان من جنس عمله ؛ لأنه اختار الشغب على [[السلطة]] دربًا وحيدًا يفضي إليها. لم نحاول أن نقنعه [[الشيخة موزة|بعقم]] اختياره ؛ لأننا خشينا أن نهشم آخر أحلامه بالحرية ، على الرغم من أنه كان يمضي إلى تلك [[الموت|الخاتمة]] الدرامية بعجينه الذي يرققه صباحًا بيديه ، من دون أن يشعر. كنا نود أن نقول له: كيف لمناضلٍ [[الحمار|عنيد]] مثلك ، أن يتغافل عن هذا التناقض العجيب بين الخبز والحرية في [[الوطن العربي|أوطاننا العربية]] , ألم تدرك استحالة اجتماعهما معًا؟ .
 
لكن الأوان فات ، لأن صديقنا شرع بالعمل محمومًا ، وكأنه يسعى إلى استدراك ومضة [[حياة]] أخيرة في عروقه. قال ، في مطلع عمله الجديد: أشعر، من خلال هذا [[الاسم]] الذي اخترته، أنني سأبيع الناس الحرية لا الخبز ، سيأتون إلي طوابير، أشبه بالمظاهرات التي كنا ننخرط فيها [[تاريخ|زمان]] ، فأستعرض جحافلهم بنشوة ، وأبيع كل واحد منهم كيلوغرامًا من الحرية، زادهم اليومي، بانتظارب[[انتظار]] [[قبر|يوم جديد]] ومؤونة أخرى . وعلى من يطلب زاد يومين أو ثلاثة أن يدفع ضعفين ، هكذا هي الحرية، كلما [[قضيب|عظم حجمها]] زاد [[دولار|ثمنها]] , أليس كذلك ؟ , ثم إنهم [[انتخابات|سيختارون]] مخبز الحرية ، طوعًا ، ولن يلجأوا إلى أي مخبز آخر ، لأن في أعماقهم توقًا إلى ما يفتقدون.
 
كان يتحدث باندفاع [[الأطفال|طفلٍ]] مقبلٍ على اكتشاف جديد ، ولم نشأ أن نصدمه [[الحقيقة|بحقيقة]] أن خبز الحرية الذي يعتزم حقنه في جسد [[مواطن|الشعب]] هو خبز [[تجارة الرقيق عند العرب|العبودية]] ذاته الذي تحقنه [[السلطة]] في جسد الشعب ، للإبقاء عليه في قفص الخضوع . كنا نريد أن نقول له إن كل كيلوغرام من الخبز يبتاعه [[المواطن]] يخطف من فضائه كيلوغرامًا مقابلًا من الحرية ، وليس كما تخيل هو.
 
لم نشأ أن نقول له، أيضًا، إن المعضلة لا تتصل برغيف الخبز الصغير نفسه ، بل بحيز [[دول عربية|القهر والكبت والقمعوال[[قمع]] المحيط بهذا الرغيف ؛ إذ يدخل [[المواطن]] إلى المخبز محنيّ القامة ، يجر خلفه إرثًا من التنازلات التي بدأت منذ أذعن للشروط التي فرضها عليه [[زعماء عرب|حكامه]]، كي يُسمح له بالحصول على هذا الرغيف، ورضي بفتات المقسوم الرسمي، لا ليكون حرًا، بل للنجاة من [[السجن]] فقط ، وهو لا يدري أن الفضاء الذي يفتقد الحرية سيكون [[السجن|سجنًا]] هو الآخر، حتى لو كان بحجم [[العالم|الكون]] كله .
 
ومع كل رغيف يحرزه ، ي[[موت]] فيه حلم ما ، و[[السلطة]] ماكرةٌ في ابتداع أدوات تعليق [[حياة]] [[المواطن]] بها، لتصبح في نهاية المطاف في نظر هذا المواطن نفسه مثل أسطوانة الأوكسجين في غرف الإنعاش ، فيتعلم [[منافق|النفاق]] لها والتمسح بها ليتّقي شرّها، أو يلجأ أصحاب [[كرامة|الكبرياء]] منهم إلى التزام جانب [[السكوت|الصمت]] ، وغض البصر عنها، وعن كل ما يحيط بهم حتى، كي يظلّوا قادرين على الحصول على رغيف الخبز . وكلما دخلوا المخبز، شعروا كأنهم يحظون بفرصة جديدة للنجاة ، وهكذا تتكرّر [[زوبعة|الدوامة]] التي تشبه استدارة الرغيف [[العرب]]ي ذاته، وأحسب أن هذه الاستدارة متعمدة في رمزيتها، كي يظل [[المواطن]] دائرًا حول نفسه، لا يحرز أي خطوة تقدّم إلى الأمام، على عكس الرغيف [[كافر|الإفرنجي]] المستقيم.
 
لم نقل هذا لصديقي، بل تركناه يعيش تجربته وحده ، إلى أن علمنا أخيرا أنه أغلق المخبز ، وعاود الشغب والتمرد ، ف[[سجن]] مرة أخرى ، لكنه ترك لنا [[البريد الإلكتروني|رسالة]] صغيرة مدونًا فيها: خبز الحرية الوحيد الذي شعرت بلذته هو خبز [[السجن]] فقط .