الفرق بين المراجعتين لصفحة: «جبان»

أُضيف 192 بايت ،  قبل شهرين
ط
←‏مصدر: إضافة تصنيف
لا ملخص تعديل
ط (←‏مصدر: إضافة تصنيف)
 
(مراجعة متوسطة واحدة بواسطة مستخدم واحد آخر غير معروضة)
سطر 2:
كانت [[كهرباء|الليلة]] الماضية عصيبة على كلِ مسامات جسدي بعدما تلقيت مكالـمة [[التلفون الموبايل|هاتفية]] من صديق يدعوني فيها إلى الاشتراك معه في مظاهرة [[ضد]] نظام الحكم ، وهو يعرف تماماً أنني [[مواطن]] مبني لل[[مجهول]] ، ومفعول به ، ومجرور ، ومكسور الجناح ، ومنصوب عليه ،ومن أخوات كان ، وعلى لساني علامةُ استفهام ، وتسبق كل كلمة أتفوه بها علامةُ تعجب ، و[[حياة|حياتي]] من مهدها إلى [[القبر|لـحدها]] بين قوسين .
 
خشيت أن تكون عيون [[دائرة المخابرات|الأمن]] قد رصدت أسلاك [[التلفون الموبايل|الهاتف]] أو [[عرب سات|ستالايت]] المحمول ووجدت في ارتعاشة [[حنجرة|حنجرتي]] صيداً ثميناً ينبغي أن تصحبه في الفجر من فراشه ، وتـلقي به على أرضية [[سيارة]] الترحيلات ليستقبلي مأمور القسم قبل انبلاج فجر اليوم التالي . نزلت مسرعاً سلالم العمارة التي أقطنها ، حتى حارسها لم تلتق [[عين]]اي بعينيه [[خوف]]ا من أن يقرأ في هرولتي لواعج نفس كاد الذعر يهشـم كل أجهزتها ال[[عصب]]ية والعاطفية ، ويجمد أطراف جسد عاش على الهامش طوال [[حياة]] صاحبه الذي لم يدر بخلده للحظةٍ واحدة أن اللهَ نفخ من روحه في نسل آدم حتى يوم القيامة .
 
في الطريق اشتريت صحيفة اليوم وهي الأكثر تملـقاً لل[[زعيم]] ، والأشد نقداً [[المعارضة|لخصومه المشاغبين]] الذين لم يتعلموا أننا [[الفأر|فئران]] تتشرف بتقبيل [[قندرة|حذائه]] ، وأننا أرانب تـقدم له جزيل الشكر لأنه قد قام بتأجيل ذبحها أياما أخر ، فإذا لاحت طلعته البهية سابـقنا الريح لكي لا يرانا . سمعت زميلين كانا بالقـرب مني يتحدثان في أمور [[سياسة|سياسية]] ، أذْكـر منها ظن أحدهما أنه يجب الدفاع عن [[السجن|السجناء]] ، وأن معتقلي ال[[ضمير]] اخوتنا في [[الوطن]] ، وأشقاؤنا في [[الانسان]]ية ، وأنَّ الواجب الأخلاقي[[الأخلاق]]ي يقتضي [[معارضة]] سيدنا وقائدنا الذي تـحدث كل الجرائم ضد [[المواطن]] بتواطيء معه، أو برضاه، الضمني أو الصريح ، أو بتوجيهاته التي لا يستطيع أحد أن يعصيها ولو بشـد عضـلة خلفية في وجه يوشي بتبـرم غير مرئي .
 
لم أشترك قطعاً في الحديث ، بل تسللت خارج المكان لئلا يطرح عليّ أحدهما سؤالا يـغنيني [[خوف]]ي الدائم عن الإجابة عليه أو حتى السماح لأذنيي أن تـدخله في طبلتها ولو كان همساً غير مسموع .عاقبت اليوم ابني[[ابن]]ي الأكبر عقابا لن ينساه بعدما أسـر إلي أنه اشترك في جروب على [[الفيسبوك]] يـبدي أعضاؤه المتهورون اعتراضاتٍ شبابيةً ساذجة على الأسرة الحاكمة ، ونفقاتها، وسوء تصرفاتها، وإهدار أموال شعبنا،[[شعب]]نا، فقررت أنْ أمنـعه من الدخول على [[سيبر|الإنترنيت]] حتى يتعلم أن رفع الرأس أمام الكبار خطيئة من الكبائر التي لا أسمح بها في بيتي أو تحمل [[اسم]]ي الذي ورثه أولادي.
 
طاعة ولي الأمر من طاعة [[الله]] ، وأستطيع أن استدعي من أقوال [[العالم|العلماء]] والفقهاء ، الأحياءِ منهم و[[الموت|الأموات]] ، ما يجعل نبضات قلبي تعود منتظمة ومستقرة بعد الإيمان أن الخروج على طاعة جلادينا ، وسجـانينا، ومعـذبينا، ونهـابينا هي معصية للخالق ، عز وجل، والمؤمن الجبان له [[الجنة|جنتان]] ، والمطيع [[خروف|كالقطيع]] يهش عليه الحاكم بسوطه فتنفصل مفاصل ركبتيه قبل أن بلتهب ظهره. يطاردني الأرق بعدما زادت جماعات مناهضة الحاكم ، وتغيير القوانين والدستور، والمطالبة بمساواة الراعي ب[[خروف|الماشية]] ، والظن الأحمق أن دماءَنا النجسة لا تختلف عن الدماءِ الزرقاء النقية لأسيادنا، ومالكي رقابـنا، وراكبي ظهورنا
 
ماذا سأفعل إن نجح [[معارضة|المعارضون]] ، وتـحرر [[الوطن]] ، ولم يـعد قفاي يتلذذ بكف غليظة تهوي عليه كلما رفع [[عين]]يه أمام [[السلطة]] أو ممثليها في كل مكان ؟ .أيُ قدم سأقوم بتقبيلها إنْ أصبح [[الوطن]] كله ملـكاً لي ولأهلي ولأبناء بلدي ، وحمل سيد القصر عصاه ورحل كما فعل الإستعمار من قبل ؟ . [[متعة]] أن تكون جبـاناً لا تعادلها [[متعة]] أخرى ، فكل الأيام متشابهة، وكل البصقات على وجهي متساوية ، ولا يهمني من يحـكـم، ولا أكترث لصراخ جاري الذي سحـلـته [[دائرة المخابرات|أجهزة الأمن]] أمام [[زواج|زوجته]] وأولاده وجيرانه ، ولا أسـرع لنجدة من يستصرخني، ولا أردد مع الحمقى شعارات جوفاءَ ضد سيدي وولي نـعمـتي.
 
لقد تمكنت من ضبط وبرمجة كل عضلات جسدي لتـصبح مطيعةً أكثر من طاعة [[كلب]] تـربى في أحضان كـرباج لا يستريح بعد الضرب أو التلويح إلا مع بقايا عظام يـلقيها إليه صاحبـه . أول أمس أرسلت [[التلفون الموبايل|رسالة إلكترونية]] غاضبة لصديق أراد توريطي في تلقـي مقالات وأخبار أدبية وشعرية ، لكنني خشيت أن تتسلل إليها كلمات سياسية ، أو يلتصق عنوان بريدي الإلكتروني بآخر لأحد المعارضين فتكون نهايتي أمام رائد صغير في قسم [[الشرطة]] التابع له سكني.
 
هؤلاء الأوغاد الذين يـعارضون الحكومة، وينتقدون [[دكتاتور|القائد الملهم]] ، ويتحدون أجهزة حمايته التي تستطيع تصفية نصف سكان [[الوطن]] في مذبحة تصغـر بجانبها راوندا وكمبوديا و .. دارفور . لا أريد أن أنخرط في جماعة ، أو يتلوث توقيعي بكلمة (لا)، أو يذكـِرني أحد بأن [[السجن|سجناء]] ال[[ضمير]] هم أبناءُ بلدي ، أو يقنعني [[مركوب جني|مخبول]] أنَّ الأموال التي ينهبها الحاكم وأولاده هي ملـك لأولادي وأحفادي، أو أنـصت لمجنونل[[مركوب جني|مجنون]] يحاول إلقاء مسؤولية خراب [[الوطن]] على نصـف النبي الجالس فوق رؤوسنا منذ اللازمن إلى يوم لا يعرفه عرَاف أو كاهن أو ضارب بالـودع .
 
إنني تراب فوق [[تراب]] لم يتصلصل بعـد في صورة بشر، وأن [[حياة|حياتي]] ومماتي ونـسكي ومحياي لمن يملك من قصره رقبتي ولساني ومشربي ومأكلي ، ومستقبل أولادي . لو جاء [[حمار]] ودخل القصر عنوة، وألقى البيان رقم واحد فإنني سأصفق له قبلما تتحرك أيدي الحاضرين، وسيهتف لساني ب[[اسم]]ه الكريم قبل أن تتحرك شفاه الآخرين . نعم، أنا جبان ، ولو علـق سيدي كل الشجعان المدافعين عن [[حرية|حريتي]] على أشجار بطول [[الوطن]] [[السجن]] وعرضه فإنني خارج الدائرة وقـطـرها وحسابـِها.
 
فليحترق [[الوطن]] ، و[[اغتصاب|ليغتصب]] الحاكم كل أهل بلدي ، ولتسرق عائلتـه فـتات الطعام من أفواه أولادي ، ولتخرج جماهير [[الشعب]] غاضبة عليه، ولي[[رقص]] على جثث ربع أو ثلث أو نصف الكائنات الحية فوق هذه [[الأرض]] المغتصبة، لكنني سأخلد كل ليلة إلى نوم عميق ولو بدا لي من ارتعاشة جسدي أنه أرق لا ينتهي مع إشراقة يوم جميل ، فصباح الشجـعان فـجـر، وصباح الجبناءِ ليل طويل .
==مصدر==
* محمد عبد المجيد , مقطع من يوميات جبان
{{شخصية الإنسان}}
[[تصنيف:شخصية الإنسان]]
[[تصنيف:صفحات للتحقق]]