الراديو
الراديو والعياذ بالله إحدى وسائل الإعلام المسكونة بالشيطان التي ظهرت الى الوجود على يد الغرب الكافر بعد ان ساءت علاقة الإنسان مع الصحافة المطبوعة حيث كان الإنسان القديم يتحمل يوميا عناء رحلة الذهاب لشراء الجريدة و عناء تقليب صفحات الجريدة وعناء القراءة و إستعمال حاسة البصر من اليمين الى اليسار او اليسار الى اليمين او الأعلى الى الأسفل , نتيجة الإعياء الذي أصاب عين الأمة قام ماركوني بالإستفادة من تجارب ماكسويل الأسكتلندي و هرتز الألماني وإستطاع إستقبال الموجات الصوتية على بعد آلاف الكيلومترات وأصبح بإمكان الإنسان ان يحصل على المعلومة دون قراءة أثناء قضاء حاجته في التواليت . أحدث الراديو نقلة نوعية في مسار الديمقراطية عن طريق فضح الأسرار 24 ساعة في اليوم .
أدى إستعمال الراديو الى الأعتماد على الكلمة المسموعة في خلق تصورات و تخيلات عن ملامح الشخص المتحدث وأصبحت الأذن تعشق قبل العين أحيانا وقد ظهرت هذه الفجوة بوضوح عند إختراع التلفزيون وخصوصا في الولايات المتحدة اثناء المنافسة على الرئاسة بين جون كينيدي و ريتشارد نيكسون في عام 1960 حيث تم نقل اول نقاش بين متنافسين على الرئاسة في التاريخ عبر شاشة التلفزيون ولعدم إنتشار التلفزيون بكثرة في ذلك الوقت فقد تابع البعض الحوار عبر المذياع وكان إنطباع الفريقين معاكسا تماما فقد كان نيكسون خطيبا بارعا وكان إنطباع الذين تابعوا الحوار عبر الراديو هو ان نيكسون أسقط كينيدي بالضربة القاضية ولكن الراديو لم ينقل العرق الذي كان يتصبب من جبين نيكسون الذي رفض وضع المكياج قبل البث و نقل وسامة كينيدي المتلعثم فكان متابعوا التلفزيون مقتنعون ان كينيدي تمكن من وضع الخازوق في فتحة طموح نيكسون للرئاسة .
المذياع العربي عدل
ذكرياتنا عن المذياع العربي يتخلله الكثير من أصوات التشويش التي كانت الحكومة تضعه على الإذاعات الغير مرغوب بها فكان رحلة قلب الموجات باحثاً عن نشرات الأخبار عبارة عن رحلة تصم الآذان من مختلف أنواع التشويش الصوتي فكان على هيئة صفارة سيارة الإسعاف تارة و هيئة صفير مستمر أحيانا و متقطع احيانا اخرى . لا يمكن نسيان صوت الكذاب أحمد سعيد ونشرة أخبار صوت العرب من القاهرة التي كانت ترفع الحماسة بزرع الأوهام وتشحن النفوس بالنضال والمشاعر القومية من طيزي وعندما قام إندلع حرب الأيام الستة مصر توقف الكثير عن الذهاب الى عمله ليتابع أخبار النصر و رمي إسرائيل في البحر وقد تحول البيت كله الى متابع لأخبار الحرب وكنا أغبياء فكانت شعورنا تقف رهبة حين كانوا يبثون أغنية دع سمائي . في الوقت الحاضر يتسائل الكثيرون عن اذاعة صوت العرب , هل للعرب صوت ؟ أم للعرب نهي أو أمر ؟ فبينما نرى غزوا للإذاعات الأمريكية الناطقة بالعربية و خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر نرى تحول صوت العرب الى صوت لالسيسي وفي المقابل بدأ بث راديو سوا أو قناة الراديو الأميركية باللغة العربية ، في مارس 2002 ، بإشراف أُنيط إلى الأميركي اليهودي ذي الميول الليكودية المتطرفة دوجلاس فيث ، وبتمويل من الكونغرس الأمريكي وصل إلى 22 مليون دولار ، ضمن مخصصات إعادة اعمار أفغانستان والعراق ، لتأتي على أنقاض راديو صوت أميركا بعد أن أثبتت التقارير فشل تواصله مع المستمع العربي ، كنتيجة لاعتماده على البرامج التحليلية الجادة في السياسة والثقافة ، بخلاف سوا، التي حُدد جمهورها من سن 18 إلى 25 سنة .
في الستينيات كانت نشرات أخبار اذاعة دمشق هادئة ومتزنة في الأيام العادية ولكنها ما تلبث ان تبدأ باذاعة المارشات العسكرية بسبب كثرة الانقلابات العسكرية التي كانت تحدث في سوريا , اعتدنا على الاستيقاظ صباحاً للذهاب الى المدارس بينما تصدح أغاني فيروز في البرنامج اليومي مرحباً أيها الصباح الذي استمر طويلاً وأحبه الناس . كان البرنامج ينتهي في السابعة والربع أي تماماً عند موعد نشرة الأخبار . ولكن هذا البرنامج يغيب وتغيب معه فيروز في ايام الانقلابات وكل مارش عسكري يعني انقلاباً جديداً , بعد مجيئ حزب البعص تحولت اذاعة دمشق الى شرموطة آل الأسد حيث عثرث لجنة تنقيب للآثار من اذاعة دمشق على عظام بشرية و حيوانية لحافظ الأسد في تدمر تعود لمليون عام ق.م , ووكانت سوريا حسب اذاعة دمشق من بين الثلاث دول الأولى عربيا في احترام حرية الصحافة .
في العراق بسبب الظلام الدامس الناتج من إنقطاع الكهرباء باع الكثير جهاز التلفزيون و توجهوا نحو الراديو وإشترى العديد راديو أنيق من نوع سوني وهي ماركة يابانية مشهورة ، إلا أن الراديو لم يكن يابانياً ، بل هو صيني أو تايواني ، عمدت الشركة الى تغيير طفيف في حروف الماركة كي لا تتطابق مع الماركة اليابانية المشهورة . في الآونة الأخيرة صارت الأغاني في بغداد نادرة ، عادة ما يضع سائقو التاكسيات والميكروات تراتيل قرآنية أو مقاتل حسينية ، أحياناً يكون ذلك تقيّةً لا تديُّنا . أتذكر راديو ابن عمي في السبعينيات في العراق كانت بطاريته ضخمة ترتبط مع الراديو بأشرطة كهربائية ، لهذا كان يصعب نقله من مكان الى آخر ، لكن لم يعدم إبن عمي الشاب المراهق وسيلة لحمله والمشي في دروب القرية للتباهي على الصبايا والنساء والشبان من أقرانه . الوسيلة كانت أخيه الصغير . حيث كان يفرض على أخيه الصغير حمل البطارية الضخمة والمسير خلفه ، تاركاً مسافة أكثر من متر بين الإثنين هي طول الشريط الواصل بين الراديو والبطارية وكان يفتح الصوت على مداه الأعلى تنطلقالأغاني الريفية والبدوية لتشق عنان السماء وتصل الى آذان الفتيات في البيوت والحقول وجنب التنانير وبين البساتين وعلى مزالق المخادع المعطرة بالبخور . وهذا ما جعل إبن عمي محط أنظار النساء والشبان أيضا . كان إبن عمي ظاهرة حضارية بحد ذاته فهو يمتلك راديو .