الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الإعجاز القرآني»

أُزيل 36٬644 بايت ،  قبل 14 سنة
ط
لا يوجد ملخص تحرير
لا ملخص تعديل
imported>Bigbig1
طلا ملخص تعديل
سطر 1:
{| align="left" class="infobox bordered" style="width: 20em; border: 1px solid #aaa; font-size: 95%;" cellpadding="4"
الكاتب الدكتور زغلول النجار
! colspan="2" style="font-size: larger; text-align: center; background-color: #ccccff;" | ''الإعجاز العلمي في معلقة أمرؤ القيس''
منقول من موقع الدكتور زغلول النجار
|-
http://www.zelnaggar.com
| colspan="2" style="text-align: center;" | [[صورة:book1.gif|200px|]]
|-
! style="background-color: #ccccff;" |المؤلف
| '''[[زغلول النجار]]'''
|-
! style="background-color: #ccccff;" | اللغة
| '''[[العربية]]'''
|-
! style="background-color: #ccccff;" | نوع الكتاب
| '''الغرب أهبل وإحنا عندنا كل حاجة قبلهم بقرون طويلة'''
|-
! style="background-color: #ccccff;" | دار النشر
| '''مكتبة الشروق العالمية'''
|-
! style="background-color: #ccccff;" | تأريخ النشر
| '''5 مارس 2007'''
|-
! style="background-color: #ccccff; white-space: nowrap;" | عدد الصفحات
| '''مش مهم'''
|-
! style="background-color: #ccccff;" | الدولة
| '''[[مصر]]'''
|}
 
'''الإعجاز القرآني''' بسم الله و الصلاة على رسول الله علميا , فيما بلى قراءة حلمنتيشية في الإعجازات الموجودة في [[الشعر|شعر]] امرؤ القيس من جاذبية و جذب و رخي و شد و[[تفاح|التفاحة]] التي وقعت على نفوخ نيوتن
وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب
* أولا: '''امرؤ القيس واكتشاف الجاذبية'''
يقول [[امرؤ القيس]] حفظه [[الله]] وأجلسه عن يمينه على [[كرسي|العرش]] في محكم معلقته:
{{قصيدة|فيا لـك من ليـل كأن نجومه|بـكل مغار الفتل شدت بيذبل}}
{{قصيدة|كأن الثريا علقت في مصامها| بأمراس كتان إلى صم جندل}}
وقبل أن أشرح المحتوى الفيزيائي العميق لهذين البيتين لا بد من ذكر موضوع [[الموساد|مؤامراتي]] خطير متعلق بهما . فقد أوردت التقارير التاريخية عن
 
Jack , son of Smith , son of Stone , on the authority of his maternal grand father James Fox , that the Father of the Kitten أنه قال:
" ...‏ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ‏‏ ‏"‏ (الحج‏:73)
 
أن [[نيوتن|إسحق بن نيوتن]] كان يحفظ عدة صحائف من جلد [[روبي|الغزال العربي]] القديم تحت سريره مخطوطا عليها معلقة إمرؤ القيس بكاملها . ومما لفت [[عين|نظر]] ذا فاذر أوف ذا كيتين أن البيتين الواردين أعلاه كانا معلمين بحبر مصنوع من عصير التمر ومكتوبا حولهما باللغة [[بريطانيا|الإنكليزية]] : هذه هي ، هذه هي ، هذه هي . This is it , This is it , This is it
هذا النص القرآني المعجز جاء في خواتيم سورة الحج‏,‏ وهي سورة مدنية‏,‏ ومجموع آياتها ثمان وسبعون بعد البسملة‏,‏ وهي السورة الوحيدة من بين سور القرآن الكريم التي جمعت بين سجدتين من سجدات التلاوة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها بالأمر الإلهي إلى أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم‏ ـ على نبينا وعليه من الله السلام ـ‏ بالأذان في الناس بالحج‏.‏
 
وفي نفس الرواية روى [[ابو هريرة|ذا فاذر أوف ذا كيتين]] أنه أدرك حينها لماذا احمر وجه سيده في حفل ترقيته إلى رتبة لورد عندما رأى على مكتبة الملكة نسخة مترجمة [[المعلقات|للمعلقات]] السبع (وفي رواية أخرى قال أنها المعلقات العشر) وظل هذا الأرتباك مرافقا إسحاق بن نيوتن طوال الحفلة وكان عرقه يتفصد ، وأنه تلعثم وتأتأ باستمرار في خطاب قبول ربتة اللوردية . عندها فهم ذا فاذر أوف ذا كيتين بفطنته وحنكته ، ولم يكن عندها جائعا ، العلاقة بين نظرية نيوتن و[[وسائل الإعلام|الصحائف العربية]] ، فقام للتغطية على [[سرقة]] سيده بإطعامها لبقرة هولندية (وفي رواية أخرى لثور هولندي) كان نيوتن قد اكتراها أثناء رحلة إلى [[هولندا]].
ويدور المحور الرئيسي للسورة حول عدد من التشريعات الإسلامية بأحكام كلٍ من الحج‏,‏ والطعام‏,‏ والإذن بالقتال والجهاد في سبيل الله دفاعاً عن النفس‏,‏ وعن الدين وشعائره ومقدساته‏,‏ وعن أعراض وأموال وممتلكات وأراضي المسلمين‏؛ دفعاً لظلم الظالمين‏,‏ ولبغي الباغين المتجبرين في الأرض بغير الحق‏.‏
ويصحب هذه التكاليف وعد قاطع من الله‏ ـ‏ تعالى ـ‏ بنصر المجاهدين في سبيله‏,‏ وبالتمكين لعباده المؤمنين الذين ينهضون في غير تردد لدفع كل عدوان باغٍ على المسلمين‏,‏ أو على غيرهم من البشر المسالمين‏,‏ مع تأكيد قوة الله البالغة‏,‏ وضعف الشركاء المزعومين‏,‏ والإشارة إلى مصارع الغابرين من الكفار والمشركين والبغاة الظالمين‏,‏ وإلى سنن الله ـ تعالى ـ في ذلك، وهي سنن لا تتوقف ولا تتبدل ولا تتخلف‏.‏
عرض موجز لسورة الحج:
تبدأ سورة الحج بدعوة الناس جميعاً إلى تقوى الله، وتحذرهم من هول الساعة‏,‏ وما يصاحبها من أحداث جِسَام‏,‏ ومن اتباع الشيطان؛ لأنه يضل من يتبعه ويهديه إلى عذاب السعير‏,‏ وتحذر كذلك من الخوض في الذات الإلهية بغير علم‏,‏ وتؤكد حقيقة البعث‏,‏ مستشهدة على حتميته بخلق الإنسان من تراب‏,‏ ومشبهة ذلك بإنبات الأرض بعد إنزال الماء عليها‏,‏ واتخاذه دليلاً على إحياء الموتى‏,‏ مؤكدة أن الله‏ ـ‏ تعالى‏ ـ‏ على كل شيء قدير‏,‏ وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور‏.
 
والآن نعود إلى المحتوى الفيزيائي لهذين البيتين والذين يكشفان دونما شك أن صاحبنا إمرؤ القيس (حفظه [[الله]] وأجلسه عن يمينه على [[كرسي|العرش]]) كان قد اكتشف نظرية الجاذبية قبل نيوتن بنحو من ألف عا:
وتعاود السورة الكريمة الحديث عمن يضلهم الشيطان فيجادلون في الذات الإلهية بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير؛‏ ليضلوا غيرهم عن سبيل الله‏,‏ وهؤلاء لهم في الدنيا خزي‏,‏ ولهم في الآخرة عذاب شديد‏.‏ وتشير إلى أن من الناس من يعبد الله ـ تعالى ـ طمعاً في كريم عطائه فقط‏,‏ فإن أصابه خير اطمأن به‏,‏ وإن ابْتُلِيَ بفتنة انقلب على عقبيه، فخسر الدنيا والآخرة‏,‏ وذلك هو الخسران المبين‏.‏
وتحذر سورة الحج من الشرك بالله‏,‏ واصفة إياه بالضلال البعيد‏,‏ ومؤكدة عجز الشركاء المزعومين عن نفع أو ضر من أشركوهم مع الله‏.‏
 
من الواضح في البيت الأول أن امرؤ القيس كان يتحدث عن الجاذبية ، وذلك بعد أن ألهمه [[الله]] سبحانه بإسقاط [[التمر|تمرة]] على [[الأم|أم]] رأسه . فنحن نرى من هذا البيت كيف أن جميع [[النجوم]] تجذب بعضها بعضا ، كما يتضح الإعجاز العلمي جليا في استخدام كلمات '''كل مغار الفتل'''. وحتى يخاطب معاصريه بقدر علمهم ويقرب المعاني لفهمهم ، فقد استخدم مثال أن النجوم "تشد" بعضها بعضا بحبال مفتولة . أما استخدام [[الأسم|أسم]] جبل يذبل ، فهي تعبير لطيف من بيئتهم المحيطة عن أن هذه النجوم تتبادل الجاذبية مع [[الأرض]] أيضا . وتشبيه الجاذبية بالربط بالحبال لا يدع مجالا للشك أنه أدرك أن قوة الجاذبية تعمل على الخط الواصل بين كل جسمين متجاذبين.
وتؤكد السورة الكريمة أن الله‏ ـ تعالى‏ ـ‏:
‏" ...‏ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ " ‏(‏ الحج‏:14).‏
 
في البيت الثاني يتعرض امرؤ القيس للتكوين الرياضي لقاعدة الجاذبية ، كما يستدل من استخدامه لكلمات '''أمراس كتان''' ، حين يقول "كأن الثريا علقت في مصامها" مشيرا إشارة مضللة ، إلى أن هذه القوة تعتمد [[مقلوب|عكسيا]] على البعد بين الجسمين المتجاذبين ، ويستدل ذلك بسهولة ويسر إذا ما اعتبرنا أن كلمة "مصامها" تدل على الشيء الأصم الذي يستوي في الأسفل ، بمعنى مقام الكسر الرياضي . أما الإعتماد على عكس مربع المسافة فيستدل أنه استعمل بيتين من [[الشعر]] ولو كانت العلاقة مكعبة لاستعمل ثلاثة أبيات.
وتضيف ـ تأكيداً ـ أن الله‏ ـ سبحانه وتعالى ـ‏ قد تعهد بنصر خاتم أنبيائه ورسله‏ ـ‏ صلى الله عليه وسلم‏ ـ وأتباعه في الدنيا والآخرة رغم كيد الكائدين، وحقد الحاقدين‏.‏
وفي الإشارة إلى القرآن الكريم يقول ربنا‏ ـ تبارك وتعالى ـ:‏
" وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ " (‏ الحج‏:16).‏
 
[[صورة:catenary-pm.png|left|200px|]]
وفوضت الآيات الأمر إلى الله ـ‏ تعالى‏ ـ‏ في الفصل بين أصحاب المِلَل والنِّحَل المختلفة يوم القيامة‏,‏ مؤكدة أن جميع ما في هذا الوجود ومن فيه يسجد لله‏ ـ سبحانه وتعالى‏ ـ‏ في عبودية كاملة‏,‏ وخضوع تام‏‏ يمثلان قمة التكريم للمخلوقات؛ لأن من يعرض عن ذلك من أصحاب الإرادة الحرة فليس له من مُكْرِم‏.‏
لسوء [[الأبراج|حظه]] ، فإن دهاء نيوتن وخفة قلبه في [[السرقة]] الفكرية، عجزتا أن تدركا المعنى الأعمق في هذين البيتين ، وكان لا بد من [[الإنتظار]] نحوا من ثلاثة قرون حتى يأتي [[القرد والسعدان|اليهودي]] [[آينشتين]] ، ويسرق النظرية النسبية العامة من هذين البيتين . وكما لاحظ آينشتين ، والذي كان قد [[التعليم|درس]] معلقة امرؤ القيس على يدي أحد أحفاد كعب بن الربيع ، زوج أم المؤمنين صفية ، فإن استخدام كلمات دالة على الحبل (مغار الفتل ، أمراس كتان) ، كانت تصب في صميم النظرية النسبية العامة. فالحبل المعلق بين نقطتين يتخذ بسبب أثر الجاذبية عليه شكلا محدبا يسمى بلغة [[مليون|الرياضيات]] Catenary وكما يوضح الشكل ، فإن هذا المنحنى الرياضي يؤدي مباشرة إلى القاعدة الأساسية في النظرية النسبية العامة وهي أن الجاذبية تنتج من تحدب إحداثيات المكان والزمان نتيجة تواجد الكتلة في تلك الإحداثيات.
 
==أمرؤ القيس واكتشاف نظرية الأمواج الصوتية==
ومايزت سورة الحج بين عذاب الكافرين في الآخرة‏‏ ونعيم الذين آمنوا وعملوا الصالحات‏,‏ وأشارت إلى أن من الكفر بالله‏ الصد عن سبيله‏,‏ وعن المسجد الحرام‏,‏ والظلم والإلحاد فيه‏,‏ وأكدت أن الله ـ‏ تعالى‏ ـ‏ قد هدى إبراهيم ـ عليه السلام ـ‏ إلى التوحيد الخالص‏,‏ وإلى مكان البيت الحرام‏,‏ وأمره برفع قواعده‏,‏ وإعادة بنائه‏,‏ والعمل على تطهيره للطائفين والقائمين والركع السجود‏,‏ وأن يؤذِّن في الناس بالحج يأتوه من كل فج عميق‏,‏ وبذلك أقامت فريضةَ الحج وما فيها من تعظيم لشعائر الله‏,‏ وحذرت من انتهاك حرمات الله‏,‏ وأمرت بالحلال من الطعام‏,‏ وباجتناب الرجس من الأوثان‏,‏ واجتناب قول الزور‏,‏ كما أمرت بالحنيفية السمحة‏,‏ ونهت عن الشرك بالله‏,‏ وحذرت من عقاب المشركين‏,‏ وأكدت أن تعظيم شعائر الله من تقوى القلوب‏,‏ وأشارت إلى أن الله‏ ـ‏ سبحانه وتعالى‏ ـ قد جعل على كل أمة قرباناً تقدمه لله شكراً على ما رزقهم من بهيمة الأنعام‏.
{{قصيدة|وواد كجوف العير قفر قطعته|به الذئب يعوي كالخليع المعيل}}
مرة أخرى تبدو البساطة والبراءة [[الجزيرة العربية|البدوية]] على هذا البيت ، ففي ظاهره يقول ملكنا الضليل ، أنه قطع مسافرا واديا مقفرا وكان هناك [[ذئب|ذئبا]] أو ذئبة تعوي. ولكن نظرة أعمق للبيت ، واعتبار أن الملك [[كتابة بريل|الضليل]] كان [[النكتة|بخفة دمه]] يريد أن يضلننا ، تشير في الحال إلى إعجاز [[علوم|علمي]] رائع ، وسبق [[فكرة|فكري]] كبير ، فتشبيه الوادي المقفر بجوف العير يدل على ملاسته ومن هذه الملاسة تحدث انعكاسات صوت عواء [[الذئب]] الصوتية التي تتردد كصدى في الوادي وكأنه قادم من الكثير من الذئاب كما يتضح من استخدام كلمات الخليع المعيل ، أي أن صوت الذئب الواحد (الخليع) يعود كأصوات "عياله" من الذئاب . لاحظ أن استخدام كلمة معيل يدل أيضا على تخافت الصوت مع مرور الصدى حيث أن مصراع [[ضرطة|الصوت]] من الذئب العيل أقل شدة من صوت أبيه الذئب .
 
أما استخدام كلمة "قطعته" في هذا البيت ، فيدل على [[العادة السرية|ديناميكية الحركة]] ولأن ذلك جاء في سياق انتشار الصوت وانعكاسه ، فإن استعمالها هنا ضرب من العبقرية العلمية التي تدل على اكتشاف أمرؤ القيس للأثر المعروف بأثر دوبلر Doppler Effect . ولأن أثر دوبلر هذا لا يتم إلا في الظاهرة الموجية ، فنرى الآن جليا أن امرؤ القيس ، وفي جملة إعجازية واحدة قد تنبأ بموجية الصوت والصدى قبل أكثر من ألف وخمسمائة عام من اكتشاف [[امريكا|الغرب]] لهذه الظاهرة! وفي رأيي أن الأحرى بنا الآن أن نعلم أولادنا في [[التعليم|المدارس]] أن أسم أثر دوبلر يجب أن يكون أثر أمرؤ القي.
وتكرر سورة الحج تأكيد وحدانية الله‏,‏ وضرورة الخضوع الكامل لجلاله بالإسلام له‏,‏ وتأمر خاتم الأنبياء والمرسلين ـ‏ صلى الله عليه وسلم‏ ـ‏ أن يبشر بخيري الدنيا والآخرة المتواضعين لله‏ ـ‏ تعالى‏ ـ‏ والمطمئنين إلى حكمه‏,‏ والذين تخشع قلوبهم بذكره‏,‏ والصابرين على قضائه‏,‏ والمقيمين للصلاة‏,‏ والمنفقين مما رزقهم الله‏,‏ وأكدت أن من شعائر الحج النحر لله‏,‏ فإذا ذبحت البدن بعد ذكر اسم الله عليها أكل منها مقدمها وأطعم السائل وغير السائل ممن يتعرضون له‏,‏ ولذلك سخرها الله‏ ـ‏ تعالى‏ ـ لهم ومن قبيل شكره على وهبها‏,‏ وعلى هدايته ـ‏ سبحانه وتعالى ـ‏ لهؤلاء المحسنين الذين بشرهم الله‏ ـ‏ تعالى‏ ـ‏ بالقبول فيقول‏ ـ عز من قائل‏ ـ:‏
" لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ المُحْسِنِينَ‏ .‏ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ " ‏(‏الحج‏:38,37).‏
 
==أمرؤ القيس ونظريات فرويد النفسية==
ويتكرر في سورة الحج الإذن بالقتال الدفاعي للذين ظلموا وأخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله‏,‏ كما حدث ـ ولا يزال يحدث ـ مع إخواننا الفلسطينيين‏,‏ والعراقيين‏,‏ ومسلمي كلٍ من البلقان‏,‏ والشيشان‏,‏ وكشمير‏,‏ وأراكان‏,‏ وجنوب الفلبين‏,‏ والصومال‏,‏ والسودان‏,‏ وسبتة، ومليلة، وغيرها من أراضي المسلمين المستباحة اليوم على أيدي المعتدين الظلمة من غلاة الكافرين والمشركين‏,‏ الذين أغرقوا بلاد الإسلام في بحار من الدماء والأشلاء والخراب والدمار، والمسلمون من حولهم يتفرجون في تخاذل وانهزام مُذِلَّيْن‏.‏
للأسف لا تتوفر لنا أي خبرات في علوم النفس ، ولكن بيتي المعلقة التالي يدل دون أي مجال للشك أن [[العالم]] [[يهودية|اليهودي]] المشهور سيغموند فرويد قد سرق هو الآخر نظريته من شاعرنا العبقري ، الملك الضليل:
 
{{قصيدة|فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع|فألهيتها عن ذي تمائم محول}}
وتؤكد هذه السورة الكريمة أن الله‏ ـ‏ تعالى‏ ـ‏ سوف ينصر من ينصره وهو القوي العزيز‏,‏ فعلينا بالرجوع إلى الله بصدق‏,‏ وهو القادر على دحر كل المعتدين مهما تعاظمت أسلحتهم‏,‏ وخبث مكرهم‏.‏
{{قصيدة|إذا بـكى من خلفها انصرفت له|بشق وتحتي شقـها لم يحول}}
وتصف سورة الحج أنصار الله بقول ربنا‏ ـ تبارك وتعالى‏ ـ:‏
" الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ " ‏(‏ الحج‏:41).‏
 
واضح حتى لغير المتخصصين مثلي في هذا الموضوع أن امرؤ القيس كان يومئ بإضلاله المشهور لأساسية [[الجنس]] و[[الأم|الأمومة]] في تكوين النفس الإنسانية . وإني لأرجو أن ينتبه إعجازيونا المتخصصون في هذا العلم لنقل الحق لنصابه في هذا الموضوع [[الإنسان|الإنساني]] المهم .
وتخاطب الآيات خاتم الأنبياء والمرسلين‏ ـ‏ صلى الله عليه وسلم‏ ـ في مواساة رقيقة من الله‏ ـ‏ تعالى ـ‏ لتكذيب الكافرين والمشركين لبعثته الشريفة، فيقول له رب العالمين‏:‏
" وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ .‏ وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ .‏ وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ .‏ فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ‏ .‏ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَتِي فِي الصُّدُورِ‏ .‏ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ .‏ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ المَصِيرُ " ‏(‏ الحج‏:42‏ ـ‏48).‏
 
الإدعاء التالي مشهور على [http://www.islamonline.net/Arabic/history/1422/09/article02.shtml الإنترنت], حيث يقول في الرابط:
وتطالب الآيات خاتم الأنبياء والمرسلين‏ ـ صلى الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏ ـ‏ بأن يعلن للناس جميعاً أنه نذير مبين لهم فتقول‏:
" قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ .‏ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ‏ . وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الجَحِيمِ‏ " (‏ الحج‏:49‏ ـ‏51).‏
 
{{قال|وهذا المنهج الذي اتبعه الغزالي منذ أكثر من تسعة قرون شديد التشابه بما قدمه الفيلسوف [[فرنسا|الفرنسي]] ديكارت وهو ما يؤكد تأثره ب[[فلسفة|الفيلسوف]] الإسلامي الكبير وأخذه عنه؛ فقد عاش الفيلسوفان التجربة المعرفية ذاتها ، وإن كان فضل السبق والأصالة يظل الغزالي ، فعبارة الغزالي الشهير "الشك أول مراتب اليقين" التي أوردها في كتابه "المنقذ من الضلال" هي التي بنى عليها ديكارت مذهبه، وقد أثبت ذلك الباحث [[تونس|التونسي]] "العكاك" حينما عثر بين محتويات مكتبة ديكارت الخاصة بباريس على ترجمة كتاب المنقذ من الضلال ، ووجد أن ديكارت قد وضع خطًا أحمر تحت تلك العبارة ، ثم كتب في الهامش: "يضاف ذلك إلى منهجنا .}}
وتؤكد سورة الحج أن الله العليم الحكيم قد أحكم آيات كتابه العزيز‏,‏ وحفظها من كل تدخل شيطاني؛ حتى يبقى كتاب الله في صفائه الرباني محتفظاً بالحق الذي أنزله ربنا‏ ـ‏ تبارك وتعالى‏ ـ‏ وفي ذلك يقول‏:‏
" وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ‏ .‏ وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ " ‏(‏ الحج‏:55,54).‏
 
وفي روايات أخرى، يدعي الراوي أن الكتاب أخفي بعد أن أكتشفه [[اسلام|المسلمون]] حفاظا على سمعة ديكارت . ونحن هنا لا ننكر بل نفخر بالتأثير العلمي الإسلامي الهائل على الحضارة [[كافر|الغربية]] ، ولكن هذه الكلمات [[الأطفال|الطفولية]] خير شاهد على الضحالة الفكرية و[[فياغرا|العقم]] العلمي الذي توصلنا إليه.
وتكرر السورة الكريمة التفريق بين نعيم الذين آمنوا وعملوا الصالحات في الآخرة‏,‏ وجحيم الذين كفروا وكذبوا بآيات الله‏,‏ وتؤكد ثواب المهاجرين في سبيل الله والمجاهدين من أجل إعلاء دينه‏,‏ وإقامة عدله على الأرض‏,‏ وتؤكد كذلك أن الله‏ ـ تعالى‏ ـ‏ قد أخذ على ذاته العلية نصرة كل مظلوم‏.‏
== السرقة الفكرية ==
واستشهدت السورة الكريمة بعدد من الآيات الكونية على أن‏:‏
* مدونة [[أبو لهب]] عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم
‏" ...‏ اللَّهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ البَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ " ‏(‏ الحج‏:62).‏
[[تصنيف:كتب وهمية]]
 
وركزت الآيات على زجر المعارضين لرسول الله ـ‏ صلى الله عليه وسلم‏ ـ‏ من أهل الكتاب في زمانه وإلى زماننا وحتى قيام الساعة، وتحذيرهم من مخالفته وعصيانه‏,‏ وتؤكد خروجهم على ما جاءهم من كتب‏,‏ وما أنزل لهم فيها من الشرائع والعقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات ـ النسك ـ‏ وفي ذلك تقول الآيات‏:‏
" وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ‏ .‏ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وَجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا المُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ المَصِيرُ ‏"‏ (‏ الحج‏:72,71).‏
وتختتم سورة الحج بقول الحق‏ ـ تبارك وتعالى‏ ـ:‏
" اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ المَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ‏ .‏ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ‏ .‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏ .‏ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ " ‏(‏ الحج‏:75‏ ـ‏78).‏
من أسس العقيدة الإسلامية في سورة الحج‏:
‏(1)‏ الإيمان بالله‏ ـ سبحانه وتعالى ـ ربا‏ًً,‏ خالقاً‏,‏ واحداً‏ (‏ بغير شريك، ولا شبيه‏,‏ ولا منازع‏,‏ ولا صاحبة‏,‏ ولا ولد‏),‏ وأنه‏ ـ تعالى‏ ـ‏ هو الحق‏,‏ وهو القوي‏ العزيز‏,‏ السميع‏‏ العليم‏ البصير‏,‏ مالك الملك‏,‏ الذي يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم‏,‏ ويفعل ما يشاء‏,‏ وهو على كل شيء شهيد‏,‏ وهو‏ ـ‏ سبحانه‏ ـ‏ يدافع عن الذين آمنوا‏,‏ وقد أخذ على ذاته العلية العهد بنصرة من ينصر دينه‏,‏ ويجاهد من أجل إعلاء كلمته وإقامة عدله على الأرض‏,‏ ومن يُهِن الله فما له من مُكْرِم‏,‏ وأن له يسجد كل من في السماوات والأرض‏,‏ وأن إليه ترجع الأمور‏,‏ وأنه‏ ـ‏ تعالى‏ ـ‏ يفصل بين أصحاب الملل المختلفة يوم القيامة‏.‏
 
‏(2)‏ الإيمان بأن الله‏ ـ‏ تعالى‏ ـ‏ يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس‏,‏ والإيمان بملائكته‏,‏ وكتبه‏,‏ ورسله‏,‏ وبخاتمهم أجمعين‏,‏ وبالكتاب الخاتم الذي أنزل إليه ـ‏ القرآن الكريم ـ‏ المهيمن على كل الكتب السابقة والناسخ لها‏.‏
 
‏(3)‏ الإيمان بضرورة تقوى الله‏ ـ سبحانه وتعالى ـ‏ ومخافته‏,‏ والاعتصام بحبله المتين‏,‏ وتعظيم شعائره‏,‏ وأولها المسجد الحرام الذي قال‏ ـ تبارك وتعالى ـ‏ فيه‏:‏
‏" ...‏ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ‏ " (‏ الحج‏25).‏
 
‏(4)‏ الإيمان بحقيقة البعث وحتميته‏,‏ وبالحساب‏,‏ وبالجنة والنار‏.‏
 
‏(5)‏ الإيمان بعدم جدوى الجدل في الأمور الغيبية غيبة مطلقة‏.‏
من العبادات المفروضة في سورة الحج:
‏(1)‏ إقامة الصلاة‏.‏
 
‏(2)‏ إيتاء الزكاة‏.‏
 
‏(3)‏ حج بيت الله لمن استطاع إليه سبيلاً‏.‏
 
(4)‏ الجهاد في سبيل الله دفعاً لظلم الظالمين ولبغي الباغين‏.‏
 
‏(5)‏ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏.‏
 
‏(6)‏ التواصي بالحق والتواصي بالصبر‏.‏
 
‏(7)‏ محاربة الشيطان وعدم اتباع خطواته‏.‏
 
‏(8)‏ التخلص من الشرك بكل صوره وأشكاله‏.‏
 
‏(9)‏ الامتناع التام عن قول الزور والعمل به‏.‏
من الإشارات الكونية في سورة الحج‏:‏
‏(1)‏ الإشارة إلى خلق الإنسان من تراب‏,‏ ووصف مراحل الجنين المتتالية بدقة بالغة حتى يخرج إلى الحياة طفلاً‏ يحيا ما شاء الله ـ‏ تعالى ـ‏ له أن يحيا‏,‏ ثم يتوفاه الله‏ ـ‏ سبحانه وتعالى ـ‏ عند نهاية أجله‏,‏ والذي يرد من البشر إلى أرذل العمر تضعف ذاكرته في أغلب الأحوال حتى لا يعلم من بعد علم شيئا‏ًً.‏
 
‏(2)‏ الإشارة إلى اهتزاز الأرض‏,‏ وارتفاعها‏,‏ وإنباتها من كل زوج بهيج بمجرد إنزال الماء عليها‏,‏ وتشبيه خلق الإنسان من تراب الأرض وبعثه منها بعملية إنبات النبات‏.‏
 
‏(3)‏ تأكيد حقيقة أن جميع من في السماوات والأرض يسجد لله ـ‏ تعالى ـ‏ طوعاً أو كرهاً‏.‏
‏(4)‏ الإشارة إلى نسبية كلٍ من المكان والزمان في منظور الإنسان‏,‏ وإلى ضخامة أبعاد الكون، وذلك بقول الحق‏ ـ تبارك وتعالى‏ ـ:‏
‏" ...‏ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ " ‏(‏ الحج‏:47).
 
‏(5)‏ والتعبير بولوج كلٍ من الليل والنهار في الآخر عن كروية الأرض‏,‏ وعن دورانها حول محورها أمام الشمس‏.‏
 
‏(6)‏ الإشارة إلى اخضرار الأرض بمجرد إنزال الماء عليها من السماء‏.‏
 
‏(7)‏ تأكيد أن كل ما في الأرض مسخر للإنسان‏,‏ وكذلك جري الفلك في البحر بأمر الله‏.‏
 
‏(8)‏ الإشارة إلى حقيقة أن الله ـ‏ تعالى‏ ـ يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه‏.‏
 
‏(9)‏ تأكيد عجز كل المخلوقين‏(‏ من الأصنام‏,‏ والأوثان‏,‏ والأشخاص‏,‏ والقيم‏,‏ والأوضاع‏)‏ مجتمعين عن خلق ذبابة فضلاً عن إمكانهم استنقاذ ما يسلب الذباب منهم مما يقدم لهم من قرابين أو مما يلطخون به من طيب‏,‏ أو مما يأكل الناس ويشربون‏.‏
 
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلى معالجة خاصة‏,‏ ولذلك فسوف أقصر حديثي هنا على النقطة الأخيرة في القائمة السابقة التي جاءت في الآية الثالثة والسبعين من سورة الحج‏,‏ وقبل شرح دلالتها العلمية لابد من استعراض سريع لأقوال عدد من المفسرين في شرح دلالاتها اللغوية والمعنوية‏.‏
من أقوال المفسرين في تفسير قوله‏ ـ‏ تعالى‏ ـ:‏
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ " ‏(‏الحج‏:73).‏
 
‏*‏ ذكر ابن كثير ـ‏ رحمه الله‏ ـ‏ ما مختصره‏:‏ يقول ـ تعالى ـ مُنَبِّهَاً على حقارة الأصنام وسخافة عقول عابديها‏ "‏ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ‏ " أي لما يعبده الجاهلون بالله المشركون به‏. "‏ فَاسْتَمِعُوا لَهُ‏ " أي أنصتوا وتفهموا‏. "‏ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ‏ "‏ أي لو اجتمع جميع ما تعبدون من الأصنام والأنداد‏ على أن يقدروا على خلق ذباب واحد ما قدروا على ذلك‏,‏ ثم قال ـ تعالى ـ أيضاً ‏: "‏ لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ‏ "‏ أي هم عاجزون عن خلق ذباب واحد‏,‏ بل أبلغ من ذلك عاجزون عن مقاومته والانتصار منه‏,‏ لو سلبها شيئاً من الذي عليها من الطيب‏,‏ ثم أرادت أن تستنقذه منه لما قدرت على ذلك‏,‏ هذا والذباب من أضعف مخلوقات الله وأحقرها‏,‏ ولهذا قال‏: "‏ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ " ,‏ قال ابن عباس‏:‏ الطالب‏ الصنم‏,‏ والمطلوب‏ الذباب‏،‏ واختاره ابن جرير‏,‏ وقال السدي وغيره‏:‏ الطالب‏‏ العابد‏,‏ والمطلوب‏ الصنم‏. (انتهى قول المفسر)‏ وجاء في الظلال ـ‏ رحم الله كاتبها برحمته الواسعة جزاء ما قدم ـ‏ ما مختصره‏:‏
 
إنه النداء العام‏,‏ والنفير البعيد الصدى‏: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ‏ "‏، فإذا اجتمع الناس على النداء أعلنوا أنهم أمام مثل عام يضرب‏,‏ لا حالة خاصة ولا مناسبة حاضرة‏ "‏ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ " هذا المثل يضع قاعدة‏,‏ ويقرر حقيقة‏ "‏ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ‏ "‏‏ كل من تدعون من دون الله من آلهة مُدَّعَاة‏‏ من أصنام وأوثان‏,‏ ومن أشخاص وقيم وأوضاع‏,‏ تستنصرون بها من دون الله‏,‏ وتستعينون بقوتها وتطلبون منها النصر والجاه‏،‏ كلهم‏ "‏ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ "، والذباب صغير حقير‏,‏ ولكن هؤلاء الذين يدعونهم آلهة لا يقدرون ـ ولو اجتمعوا وتساندوا ـ على خلق هذا الذباب الصغير الحقير.‏ وخلق الذباب مستحيل كخلق الجمل والفيل‏؛‏ لأن الذباب يحتوي على ذلك السر المعجز‏،‏ سر الحياة، فيستوي في استحالة خلقه مع الجمل والفيل‏،‏ لكن الأسلوب القرآني المعجز يختار الذباب الصغير الحقير لأن العجز عن خلقه يلقي في الحس ظل الضعف أكثر مما يلقيه العجز عن خلق الجمل والفيل‏‏ دون أن يخل هذا بالحقيقة في التعبير، وهذا من بدائع الأسلوب القرآني العجيب‏،‏ ثم يخطو خطوة أوسع في إبراز الضعف المزري " وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ "‏ والآلهة المُدَّعَاة لا تملك استنقاذ شيء من الذباب حين يسلبها إياه‏,‏ سواء كانت أصناماً أو أوثاناً أو أشخاصاً،‏ وكم من عزيز يسلبه الذباب من الناس فلا يملكون رده‏ !!.‏ وقد اختير الذباب بالذات وهو ضعيف حقير‏،‏ وهو في الوقت نفسه يحمل أخطر الأمراض، ويسلب أغلى النفائس‏، يسلب العيون والجوارح‏,‏ وقد يسلب الحياة والأرواح‏،‏ إنه يحمل ميكروبات السل والتيفود والدوسنتاريا والرمد‏، ويسلب ما لا سبيل إلى استنقاذه وهو الضعيف الحقير‏.
 
وهذه حقيقة أخرى كذلك يستخدمها الأسلوب القرآني المعجز‏،‏ ولو قال‏:‏ (وإن تسلبهم السباع شيئاً لا يستنقذوه منها‏)‏ لأوحى ذلك بالقوة بدل الضعف‏،‏ والسباع لا تسلب شيئاً أعظم مما يسلبه الذباب‏،‏ لكنه الأسلوب القرآني العجيب‏.‏
 
ويختم ذلك المثل المصور الموحي بهذا التعقيب‏: " ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ‏ ",‏ ليقرر ما ألقاه المثل من ظلال‏,‏ وما أوحى به إلى المشاعر والقلوب‏.‏ (انتهى قول المفسر)‏
وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم ـ‏ جزاهم الله خيراً ـ‏ ما نصه‏:
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ‏ " :‏ إنا نبرز أمامكم حقيقة عجيبة في شأنها‏,‏ فاستمعوا إليها وتدبروها‏،‏ إن هذه الأصنام لن تستطيع أبداً خلق شيء مهما يكن حقيراً تافهاً‏ كالذباب‏,‏ وإن تضافروا جميعاً على خلقه‏,‏ بل إن هذا المخلوق التافه‏ لو سلب من الأصنام شيئاً من القرابين التي تقدم إليها فإنها لا تستطيع بحال من الأحوال أن تمنعه عنه أو تسترده منه‏,‏ وما أضعف الذي يهزم أمام الذباب عن استرداد ما سلبه منه‏,‏ ما أضعف الذباب نفسه‏,‏ كلاهما شديد الضعف‏,‏ بل الأصنام كما ترون أشد ضعفاً‏,‏ فكيف يليق بإنسان عاقل أن يعبدها ويلتمس النفع منها؟‏.‏ (انتهى قول المفسر)‏
 
وجاء في صفوة التفاسير‏ ـ‏ جزى الله كاتبها خيرا‏ًً ـ‏ ما نصه‏:‏
‏" يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ‏ " أي يا معشر المشركين ضرب الله مثلاً لما يُعْبَد من دون الله من الأوثان والأصنام، فتدبروه حق التدبر‏,‏ واعقلوا ما يقال لكم‏ "‏ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ "‏ أي أن هذه الأصنام التي عبدتموها من دون الله لن تقدر على خلق ذبابة على ضعفها وإن اجتمعت على ذلك‏،‏ فكيف يليق بالعاقل جعلها آلهة وعبادتها من دون الله‏؟. قال القرطبي‏:‏ وخص الذباب لأربعة أمور‏:‏ لمهانته‏,‏ وضعفه‏,‏ ولاستقذاره‏,‏ وكثرته‏,‏ فإذا كان هذا الذي هو أضعف الحيوان وأحقره لا يقدر من عبدوهم من دون الله على خلق مثله ودفع أذيته‏,‏ فكيف يجوز أن يكونوا آلهة معبودين‏‏ وأرباباً مطاعين؟ وهذا من أقوى الحجج وأوضح البراهين. "‏ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ "‏ أي لو اختطف الذباب وسلب شيئاً من الطيب الذي كانوا يضمخون به الأصنام لما استطاعت تلك الآلهة استرجاعه منه رغم ضعفه وحقارته. "‏ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ "‏ أي ضعف العابد الذي يطلب الخير من الصنم‏,‏ والمطلوب الذي هو الصنم‏,‏ فكلٌ منهما حقير ضعيف‏.‏ (انتهى قول المفسر)‏
من الدلالات العلمية للنص الكريم:
 
أولا‏:‏ في قوله ـ تعالى ـ‏: " ...‏ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً ‏ ... ":‏
و‏(‏الاستلاب‏)‏ في اللغة هو الاختلاس‏,‏ والسلب هو نزع الشيء من الغير على القهر‏,‏ و‏(‏السلب‏)‏ و‏(‏السليب‏)‏ هو الشخص المسلوب‏ والناقة التي سلب ولدها‏,‏ و‏(‏السلب‏)‏ أيضاً هو الشيء المسلوب‏,‏ ويقال للحاء الشجر المنزوع منه‏.‏
 
وفي استخدام القرآن الكريم تعبير‏ " ...‏ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً ‏... "‏ ومضة معجزة؛ لأن الذباب يختلس ما يأخذه من أشربة وأطعمة الناس اختلاساً‏,‏ وينزعها منهم نزعاً على القهر لعجزهم عن مقاومته في أغلب الأحوال‏.‏
 
فحركات الذبابة المنزلية على درجة عالية من التعقيد، إذ تبدأ في الاستعداد للطيران بتحديد العضلات التي سوف تستخدمها‏,‏ ثم تأخذ وضع التأهب للطيران، وذلك بتعديل وضع أعضاء التوازن في الجهة الأمامية من الجسم‏ حسب زاوية الإقلاع‏,‏ واتجاه وسرعة الريح، وذلك بواسطة خلايا حسية خاصة موجودة على قرون الاستشعار في مقدمة الرأس‏.‏ وهذه العمليات المعقدة لا تستغرق أكثر من واحد من مائة من الثانية‏،‏ ومن الغريب أن الذبابة لها قدرة على الإقلاع عمودياً من المكان الذي تقف عليه‏,‏ كما أن لها القدرة على المناورة بالحركات الأمامية والخلفية والجانبية بسرعة فائقة لتغيير مواقعها‏,‏ وبعد طيرانها تستطيع الذبابة زيادة سرعتها إلى عشرة كيلو مترات في الساعة‏,‏ وهي تسلك في ذلك مساراً متعرجاً، ثم تحط بكفاءة عالية على أي سطح بغض النظر عن شكله‏,‏ وارتفاعه‏,‏ واستقامته أو انحداره‏,‏ وملاءمته أو عدم ملاءمته لنزول شيء عليه‏.
 
ويساعد الذبابة على هذه القدرة الفائقة في المناورة جناحان ملتصقان مباشرة بصدرها بواسطة غشاء رقيق جداً مندمج مع الجناح‏، ويمكن لأيٍ من هذين الجناحين أن يعمل بشكل مستقل عن الآخر‏,‏ وإن كانا يعملان معاً أثناءَ الطيران على محور واحد إلى الأمام أو إلى الخلف يدعمهما نظام معقد من العضلات يعين هذين الجناحين على أن يتما إلى مائتي خفقة في الثانية ‏ـ‏ كما هو الحال في الذباب الأزرق‏ ـ‏ وعليها أن تستمر على ذلك لمدة نصف الساعة وأن تتحرك لمسافة ميل كامل على هذه الحال‏.‏ وتستمد الذبابة مهاراتها الفائقة في الإقلاع‏‏ والطيران‏‏ والهبوط من التصميم المثالي لجسدها‏‏ ولأجنحتها، إذ أن النهايات السطحية للأوردة المنتشرة في تلك الأجنحة تحمل شعيرات حساسة جداً لقياس ضغط الهواء واتجاه الرياح‏,‏ كذلك فإن أجهزة الحس الموجودة تحت الأجنحة‏ وخلف رأس الذبابة تقوم بنقل معلومات الطيران إلى دمائها باستمرار ثم إلى رأسها الذي يرسل أوامره إلى العضلات باستمرار أيضاً لتوجيه الأجنحة في الاتجاه الصحيح‏,‏ وبذلك يتم توجيه الذبابة أثناءَ الطيران بدقة وإحكام فائقين مما يعينها على إصابة الهدف‏‏ وتجنب المخاطر بكفاءة عالية‏.‏
ويعين الذبابة في ذلك أيضاً عينان مركبتان‏,‏ لا يزيد حجم الواحدة منهما على نصف الملليمتر المكعب‏,‏ وتتكون كل عين منهما من ستة آلاف عيينة سداسية لها القدرة على الرؤية في جميع الاتجاهات‏,‏ وكل واحدة من هذه العيينات مرتبطة مع ثمانية أعصاب مستقبلة للضوء‏,‏ اثنان منها للألوان‏,‏ وستة متخصصة في ضبط تحركات الذبابة؛ لأنها تكشف كل شيء في المجال البصري لها، وبذلك يكون مجموع الخيوط العصبية في الواحدة من عيني الذبابة ما يقدر بـ‏48‏ ألف خيط عصبي يمكنها معالجة أكثر من مائة صورة في الثانية الواحدة‏.‏
 
هذا بالإضافة إلى مليون خلية عصبية متخصصة بالتحكم في حركة الذبابة من أعلى إلى أسفل وبالعكس‏,‏ ومن الأمام إلى الخلف وبالعكس،‏ كل ذلك يعين الذبابة على الانقضاض على الشراب أو الطعام، فتحمل منه بواسطة كلٍ من فمها والزغب الكثيف المتداخل الذي يغطي جسمها ما تحمل، ثم تهرب مبتعدة في عملية استلاب حقيقية بمعنييها‏:‏ الاختلاس‏,‏ ونزع الشيء على القهر‏.‏
ثانيا‏ًً:‏ في قوله ـ تعالى ـ‏:" ...‏ لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ‏... " :‏
يعرف العلماء اليوم من أنواع الذبابة الحقيقية‏(‏ المجموعة في رتبة ثنائيات الأجنحة‏DIPTERA)‏ حوالي‏100‏ ألف نوع‏,‏ وتنتشر هذه الأنواع من الذباب انتشاراً هائلاً في مختلف بيئات الأرض‏,‏ وتسيطر على مساحات شاسعة من أماكن انتشارها سيطرة كاملة لا تمكن الإنسان من مجرد اجتيازها‏,‏ فضلاً عن العيش فيها‏.‏
 
ومن حيث الانتشار على الأرض تأتي الحشرات في المقام الأول بين مختلف مجموعات الحياة‏,‏ ويأتي الذباب في المرتبة الثالثة بعد كلٍ من النمل والبعوض،‏ ولولا التوازن الدقيق الذي وضعه ربنا ـ‏ تبارك وتعالى‏ ـ‏ بين مختلف مجموعات الحياة لغطت جيوش الذباب سطح الأرض بالكامل، وجعلت الحياة عليها مستحيلة‏؛ وذلك لأن الذبابة تضع نحو‏400‏ بيضة في المرة الواحدة في المتوسط‏,‏ وأن من أنواع الذباب ما يتكاثر بمعدلات أعلى من ذلك بكثير، بحيث لو قدر لجميع بيضها أن يفقس‏‏ وأن يعيش كل ما يخرج منه ويتوالد لنتج عن الزوج الواحد من الذباب خلال فصل واحد من فصول السنة ما تعداده يفوق الرقم عشرة مسبوقاً بستين صفرا‏,‏ ولكن الله ـ‏ تعالى‏ من عظيم حكمته ـ يسلط من مخلوقاته مثل الطيور‏,‏ والنمل‏,‏ وغيرها ما يستهلك أغلب بيض الذباب كطعام له‏.‏
 
والذباب يتغذى عادة على النفايات المختلفة‏,‏ وإن كانت أشربة الناس وأطعمتهم لا تسلم من هجماته‏,‏ والذبابة المنزلية تتذوق الشراب أو الطعام بمجرد أن تحط عليه‏,‏ وذلك بواسطة خلايا حساسة منتشرة في كلٍ من شفتها وأقدامها، فإن راقها سلبت منه ما تستطيع وهربت بسرعة فائقة كما يفعل اللصوص‏,‏ فإن كان ما سلبته شراباً امتصته بواسطة خرطومها‏‏ ليصل إلى جهازها الهضمي المزود بالقدرة على إفراز الخمائر القادرة على هضمه وتمثيله تمثيلاً كاملاً في ثوانٍ معدودة‏,‏ وبذلك لا يمكن استنقاذه منها‏،‏ أما إذا كان الطعام صلباً، فإن الذبابة المنزلية تفرز عليه من بطنها عدداً من الإنزيمات والعصائر الهاضمة بالإضافة إلى لعابها‏,‏ وهذه تبدأ في إذابة ما تقع عليه من الطعام الصلب فوراً مما يمكن الذبابة من امتصاصه بخرطومها وبأجزاء فمها ذات الطبيعة الإسفنجية‏,‏ ومن ثم لا يمكن استرجاعه أبداً‏,‏ أو استنقاذه بأي حال من الأحوال‏.‏
وحتى الذباب الذي يعيش على امتصاص بعض رحائق الأزهار أو امتصاص دماء غيره من الحشرات فإنه يقوم بتحقيق ذلك بواسطة خرطوم الفم الماصِّ‏,‏ وأجزائه الاسفنجية المهيأة لذلك‏.‏
 
هذا بالإضافة إلى أن جسم الذبابة مغطى بزغب كثيف متداخل يغطي كلاً من رأسها‏,‏ وصدرها‏,‏ وبطنها‏,‏ وأرجلها الست‏,‏ وأقدامها‏,‏ وجناحيها‏,‏ فإذا غطت نفسها في سائل من السوائل أو مسحوق من المساحيق حمل هذا الزغب منه ما لا يمكن استنقاذه أبدا‏ًً.‏
ثالثا‏ًً:‏ في قوله ـ تعالى ـ‏: " ...‏ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ‏ " :‏
من الثابت علمياً أن البشرية كلها عاجزة كل العجز عن خلق خلية حية واحدة في الزمن الراهن ـ زمن التقدم العلمي والتقني المذهل وغير المسبوق في تاريخ البشرية كله ـ وهي بالتالي أعجز عن خلق ذبابة واحدة‏,‏ ونحن نعلم اليوم أن جسد الذبابة مكون من ملايين الخلايا المتخصصة‏‏ الموزعة في أنسجة متخصصة‏,‏ وفي أجهزة متعددة، تعمل في توافق تام من أجل حياة هذه الحشرة الصغيرة‏,‏ التي ينقسم جسمها إلى رأس‏,‏ وصدر‏,‏ وبطن‏,‏ وهو مكون من حلقات مغطاة بزغب كثيف‏,‏ ومزودة بثلاثة أزواج من الأرجل‏,‏ وبأقدام مغطاة أيضاً بزغب كثيف على هيئة الخف تفرز مواد لاصقة تعين الذبابة على الالتصاق بأي سطح من الأسطح بهيئة معتدلة أو مقلوبة كالتصاقها بأسقف الغرف‏.‏
 
وإذا علمنا أن بجسم الذبابة أكثر من مليون خلية عصبية متخصصة بتحركات تلك الحشرة الضعيفة‏,‏ وأن هذه الخلايا العصبية مرتبطة بثمانية وثلاثين زوجاً من العضلات، منها سبعة عشر زوجاً من هذه العضلات لحركة الجناحين‏,‏ وواحد وعشرون زوجاً لحركات الرأس‏،‏ وإذا علمنا أيضاً أن للذبابة زوجا من العيون المركبة التي تتكون الواحدة منهما من ستة آلاف عيينة سداسية‏,‏ يتصل بكل واحدة منها ثمانية خيوط عصبية مستقبلة للضوء بمجموع‏48‏ ألف خيط عصبي للعين الواحدة يمكنها معالجة مائة صورة في الثانية الواحدة، وإذا فهمنا غير ذلك من الأجهزة المتخصصة وتعقيداتها في جسم الذبابة لأدركنا مدى التحدي الذي أنزله ربنا‏ ـ تبارك وتعالى ـ‏ في سورة الحج بقوله‏ ـ‏ عز من قائل ـ:
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ " ‏(‏الحج‏:73).‏
 
والطالب في هذه الآية الكريمة هو المسلوب الذي سلبه الذباب شيئاً مما هو له‏,‏ والمطلوب هو الذباب السالب‏،‏ وسواء كان المسلوب هو المعبود من دون الله صنماً‏ كان أو بشرا‏ًً,‏ أو نظاما‏ًً,‏ أو قيماً، أو أوضاعاً معينة، فإنهم جميعاً عاجزون عن خلق خلية واحدة‏ فضلاً عن ذبابة واحدة، فما بالنا بمائة ألف نوع معروف من أنواع الذباب‏,‏ ويمثل كل نوع منه بلايين البلايين من الأفراد‏.‏
 
ويستمر القرآن الكريم في تحديه بأن الإنسان الكافر أو المشرك‏ وما يعبد من دون الله من وثن، أو بشر، أو نظام لن يعجزوا فقط عن خلق الذباب‏,‏ بل إنهم عاجزون عن استنقاذ ما يسلبه الذباب منهم من طعام، أو شراب، أو طيب، أو دهون‏، فالذباب عندما يحطُّ على شيء من ذلك فإن كان سائلاً سلب قطرة منه وأوصلها فوراً إلى جهازه الهضمي الذي يمتصها ويحولها إلى جهازه الدوري، ومنه إلى مختلف خلاياه‏,‏ وإن كان مادة صلبة صبَّ عليها لعابه وإنزيمات معدته وعصائرها الهاضمة فيفككها فوراً ويذيبها‏ ـ‏ أي يهضمها ـ قبل أن يمتصها ويوصلها مهضومة إلى جهازها الهضمي، ومنه إلى جهازها الدوري، ثم إلى مختلف خلايا جسم الذبابة‏,‏ حيث يتحول جزء من هذا الطعام إلى طاقة‏,‏ ويتحول جزء آخر إلى مكونات الخلايا والأنسجة‏,‏ وإلى عدد من المركبات العضوية التي يستخدمها الجسم‏,‏ ويتحول الباقي إلى فضلات تتخلص منها الذبابة‏,‏ ولا سبيل أبداً إلى استرجاع أيٍ من ذلك‏.‏
 
هذه الحقائق لم يصل إليها علم الإنسان إلا في القرن العشرين‏,‏ وفي العقود المتأخرة منه‏,‏ وورودها في كتاب الله بهذه الإشارات الدقيقة‏,‏ المحكمة‏,‏ الموجزة لمما يشهد بأن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون صناعة بشرية‏,‏ بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه على خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وحفظه بعهده‏,‏ في لغة وحيه نفسها‏ ـ‏ اللغة العربية ـ‏ على مدى أربعة عشر قرناً أو يزيد وإلى قيام الساعة‏؛ ليبقى هاديا للناس جميعا‏ًً,‏ وحجة على أهل العلم منه خاصة إلى قيام الساعة‏.
‏" ...‏ لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ‏ " (‏الأنفال‏:42).‏
آخر تحديث: الخميس, 24 سبتمبر 2009 20:31
منقول من موقع الدكتور زغلول النجار
http://www.zelnaggar.com
مستخدم مجهول