الفرق بين المراجعتين لصفحة: «أبو عودة»

أُضيف 4 بايت ،  قبل 4 سنوات
لا يوجد ملخص تحرير
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر 15:
كررت ماتيلدا قولها إن نساء القبيلة أجمل منهما، وراحت تعدد أسماء الصقور بغيرة غير مفهومة: جواهر وحصة وعنود وزينة ووضحه. وكانت ماتيلدا و[[أم]]ها تراهنان يومياً، وهن يغدن للاستسقاء من بئر، بنت له الحكومة مضخة بعد مناشدات وشفاعات، وكانت ماتيلدا تستغرب أموراً كثيرة، وهي [[المرأة|امرأة]] شديدة الملاحظة، وتسجل ملاحظاتها على دفتر، إحداها عن البنوك المتنقلة، فأكثر النساء في القبيلة العذراوات والثيبات مزينات [[السكوت|بالذهب]]. وتعجب أن يكنّ جائعات، وضامرات، فالطعام في القرية هو اللبن، والشاي، وثريد المضافة الفائض عن الضيوف، وليس في القبيلة كلها سوى بئر بعيدة، يقصدنها على [[الحمار|الحمير]]، ويحملن عليها براميل وجالونات كبيرة، قالت: حل مشكلة الماء سهلة: يمكن لهن أن يعملن جمعية، وتتبرع كل واحدة منهن بسوار أو خاتم، فيحفرن بئراً في القرية، وترتوي منها، ويمكن أن تمد الأنابيب لكل بيت، بل إن شيخ القبيلة يمكنه أن يحفر لقبيلته بئراً، فهو يذبح يومياً عشر شياه، فهلا شرحت هذا اللغز يا أبا عودة ؟
 
فكنت أحتار في الجواب، فأقول: الحكومة لا توافق، فالمياه ثروة [[وطن]]ية، وهي تريد أن تحافظ عليها للأجيال القادمة. فتقول: والأجيال الحالية؟ أت[[موت]] من العطش؟ أليست الحكومة في خدمة [[الشعب]] ؟ الحكومات [[العربية]] تذبح شعوبها باسم المستقبل. فأقول: هنا الشعب و[[الدين]] والعرف والماضي والمستقبل في خدمة الرئيس والحكومة. وكانت ماتيلدا محقّة، فلو ارتدت نساء القبيلة أزياء مثل أزياء ماتيلدا واليصابات، لخطفن الأبصار، خاصة جواهر ابنة الشيخ، التي جمعت بين شقرة [[الأب|أبيها]]، وسمرة [[أم]]ها. أشفق الشيخ الأسود على ماتليدا، وسأل عن سبب ارتدائها بنطلوناً ممزقاً، كأن ثلاثين [[ذئب]]اً قد نهشته جائعةً، ففسرت له الأمر، وقلت: إن ماتيلدا، ومعها الجيل الجديد مولع بالآثار، وملّت الحديث والجديد، بل إن [[أوروبا]] برمتها هائمة بالآثار، وقلت في نفسي: يستطيع المرء أن ينظر من ثقوب بنطلون ماتيلدا، التي أحدثتها أنياب ذئاب غير مرئية إلى نجوم درب التبانة بحثا عن الثقب الأسود الذي يبتلع النجوم ولا يجد له علماء الفلك تفسيرا. ثم طلبت ماتيلدا من شيخ القبيلة أن يهديها [[الكلب|جرواً]]، وكان متكئاً، فاستوى، وقال: جرو؟ قالت نعم جرو.. الجرو في بلادنا ثمنه آلاف اليوروات، فقال: هذا مشين، أهديك جواداً أو بعيراً، لكن جرو؟ ستكون سبّة أبد الدهر. ثم جاء غلمان القبيلة لها بجرو، فعادت به بعد شهرين إلى المضافة، [[كلب]]اً غير كلاب القرية، التي لا تجيد سوى سمفونية النباحال[[نباح]] في الليل والنهار، يأتمر بأمرها جلوساً أو وقوفاً، ويحضر لها العصا المقذوفة. قال الشيخ الأسود: لا ينقص [[الكلب]] الذي صار له اسم هو "يادي" سوى أن يعزف على الربابة .
==وسام جوقة الشرف==
زارنا شيخ القبيلة مرة واحدة بسيارته البيكاب الشفروليه، وكل السيارات في القبيلة هي بيكابات لها صناديق، تصلح لحمل [[حيوانات|الدواب]] والأمتعة، لكن أكثر ما تحمل عادة الرجال. جاء ومعه رجاله [[سلاح|المسلحون]] بالبواريد، ألقى نظرة سريعة على أعمال الحفر والتنقيب عن الآثار، وسرعان ما ملّ منها، وأظهر عجبه من طريقة حفرنا البطيئة، كنا نحفر بأدوات [[طبيب|الأطباء]] الجراحين، ونجلو الطين بفراشي الأسنان، ولم يكن الشيخ يعرف أن ثروات [[الأرض]] التي يقيم فيها لا تقدر بثمن، سوى الأنعام والزروع، وكانت الزروع بعلية، وقال رولو مرة: لو أن هذه [[الأرض]] الخصبة كانت في بلاده لاستطاع إطعام جمهورية [[فرنسا]] كلها منها، ولم يكن يعلم أن القمح السوري أفضل أنواع القمح عالمياً، لكن ثروات ما فوق الأرض لا تقدر بالمقارنة مع فلذات ال[[تاريخ]]، التي كنا نعثر عليها تحت [[الأرض]].
351

تعديل